هناك حالة غير عادية من التذمر من قِبَل جملة من الشيوخ على جملة من شباب الدعوة والصحوة ؛ بسبب انفتاحهم على الحياة ، ومتابعتهم للمستجدات السياسية والإعلامية والفنية والرياضية ، وميلهم الشديد للبرامج المفتوحة ، وصناعة مشروعات جديدة بروح العصر ، بعيدًا عن الرتابة ، فضلًا عن عدم التمسك ببرامج دعوية ثابتة وفتاوى محددة ! وجملة الشيوخ هؤلاء لا يُلامون عند وجود انحراف ظاهر وتغير عن المنهج الشريف الثابت ، لكنهم يُلامون على عدم ملامسة الواقع المتجدد ، والجمود على آراء واحدة ، لسحب البساط أمام المتغيرات ، وتحطيم أسوار الاختلاف التي تسع الجميع ! قطعًا أنا لا أتحدث عن الشيوخ برمتهم ، ولا على المنكرين على الخطأ ، ولكن على المجموع (غير القليل) الذي يريد من الشباب أن يعودوا لمنهجية فتوى فلان وفلان فقط ، والبرنامج الفلاني والفلاني ، فضلًا عن عقلية افعل ولا تفعل واقرأ ولا تقرأ ...! (الشباب الجدد) إن صحت التسمية على غرار تسمية (الدعاة الجدد) عاشوا حالة متغايرة عن مستقبِلات التأثير القديم ، مع رضاهم النسبي عليها . فكثير من جيل الدعوة والخير والصحوة اليوم ، لم تلامس عقولهم أفكار بعض محتويات الأشرطة السابقة ، والكتيبات الصغيرة ، والأنشطة المحددة ، بل وجدوا أنفسهم يغيرون العالم من حولهم ، فأحدهم يتكلم عبر (تصوير الآيفون) بمقطع مفيد ، ويتابعه أكثر من مليون مشاهد حول العالم ، وآخر يكتب مقطعًا صوتيًا جميلًا ، ويسمع له أكثر من خمسة ملايين ، إضافة إلى سهولة ترتيب اللقاءات ، وتنسيق البرامج ، وربط العلاقات ، وبالتالي تجديد المعلومات ، وتغيير الأفكار ، وتحريك الأعمال . أي بالمختصر أن جيل الدعوة والصحوة اليوم ليس مجرد جيل الجلوس للتلقي في كل محفل ومدرسة ومجمع ومسجد ومسرح ، بل هو جيل يحترم السماع من المتمكنين والمقتدرين والمبدعين في التخصصات المختلفة في إبلاغ التوجيه بكل إقناع ومحبة وتشويق ، وهو مع ذلك يناقش ويسأل ويحاور ويراجع . ومن الطبيعي أن يكون لدى جملة من أبناء هذا الجيل الجديد بعض (التشويش) نتيجة عدم التمرس في منهجيات الحوار وبناء المعلومات ، وبخاصة ما يتعلق بقواعد التأصيل الفقهي والحديثي والسياسة وعلم الاجتماع والنفس ، فضلًا عن الخبرة ، لكن ذلك كله لا يقلل من دورهم الفعال ، واستجابتهم السريعة للتأقلم مع المستجدات ، واستيعابهم الجميل للحياة وبعض شؤون الدين من خلال التتبع السريع لكل ما هو موجود وعلى مدار الساعة والدقيقة والثانية ، في أجهزتهم المحمولة ، والتي مثلت لهم المجمع الفقهي ومراكز الثقافة والحضارة ! وأمام هذا الواقع الجديد ، أرى من الأهمية بمكان أن يتسع صدر جملة من مشايخنا وإخواننا الدعاة حيال واقع أجيال الدعوة اليوم ، لما يلي: 1- القراءة المتأنية والعميقة للواقع الجديد ، وإصدار الدراسات الجادة المستوعبة للمتغيرات . 2- النزول لساحات الشباب ، ودعمهم وتشجيعهم وحوارهم ، وإشراكهم في ساحات العمل . 3- الدخول إلى مشروعات الشباب الجديدة ، بعقلية التعاون واستثمار الطاقات . كل ذلك على أمل أن يستعير الشيوخ والدعاة الحكمة من الآخرين ، متأملين في (مشروع التعاون والتجديد) كلمات الشاعر الأمريكي: تعالوا../ سأجعل هذه القارة خالدة/ سأجعل منها أسمى جنس طلعت عليه شمس/ بحب الرفاق/ سأزرع الرفقة/ كثيفة كالأشجار على أنهار أمريكا/ وعلى ضفاف البحيرات الكبرى/ وعلى امتداد السهوب/ سأبني مدنًا متعانقة بالأذرع/ بحب الرفاق !!