الفرق بين الحل المؤقت أو المهدئ لأي مشكلة ، وبين الحل الاستراتيجي أو الدائم ، هو مثل الفرق بين حبة (الأسبرين) وبين إجراء عملية جراحية لاستئصال ورم دماغي في بدايته . عندما تشعر بالصداع تتناول حبة (أسبرين) ، لكنك لا بد أن تذهب إلى الطبيب فورًا ليشخّص السبب ، الذي قد يكون بسيطًا عارضًا ، وقد يكون لا سمح الله ورمًا بدأ يتكون ، ووفق الحال التي يكتشفها المختص يجري التعامل معها . لكنك إن استمريت في تعاطي (الأسبرين) دون عرض الأمر على متخصص ، فقد لا تصل إليه إلا وقد تفاقمت الحال ، وأصبح علاجها صعبًا ، وأحيانًا يكون مستحيلاً . المشكلات في الحياة أيًا كان نوعها لا تختلف عن ذلك كثيرًا ، فهي تبدأ مشكلة صغيرة تتطور إلى أزمة ، ثم كارثة ، والحل المؤقت لأي مشكلة صغيرة يشبه حبة (الأسبرين) لمن يتعرض للصداع لأول مرة ، فإن تم نقل المشكلة إلى المتخصصين والخبراء فيها لدراستها ووضع الحلول الجذرية أو الاستراتيجية لها ، فإنها تموت في مهدها ، وإن تركت لحلول (الأسبرين) الوقتية ، فإنها ستتفاقم إلى أن تتحول إلى أزمة ، ثم إلى كارثة (ورم سرطاني لا حل ولا علاج له) . يمكنك أن تضع بنفسك الكثير من الأمثلة للحلول الوقتية والحلول الاستراتيجية أو الدائمة من واقع حياتك الشخصية ، سواء في صحتك ، أو حياتك العائلية ، أو الاجتماعية ، أو العملية ، لا بد أن تتذكر أن هناك أخطاء بسيطة حدثت وسببت مشكلة ما ، ووضعت أو وضع لها غيرك حلا مؤقتًا ، ثم تم إهمالها ، فتفاقمت بعد ذلك حتى تأزمت فأفضت إلى عواقب وخيمة ، ولا بد أنك تلاحظ الآن في أي محيط تحتك به ، وليكن مثلاً محيط عملك ، أن هناك مشكلات أو أخطاء بسيطة يجري علاجها بصورة مؤقتة ، وأنك تعرف أن لها حلولاً جذرية قد لا تكون سهلة في حد ذاتها ، لكنها حتماً أسهل وأفضل مما تتوقعه لمستقبلها من عاقبة أشد سوءًا وأنكأ ، ولعلك تستغرب لماذا لا يتم اتخاذها ، ويجري تركها تتفاقم هكذا . هذا أمر محير ، لكن هذه ليست مشكلتك لوحدك ، هذه مشكلة حيرت كثيرين على مر التاريخ ، ومنذ القدم قيل (لو أنصف الناس لاستراح القاضي) ، فلو كان الناس عمومًا منصفين صادقين مع أنفسهم ويستفيدون استفادة حقيقية من تجارب بعضهم بعضًا ، بل لو كانوا يستفيدون من تجاربهم هم ، لما تكررت الأخطاء ولا الأزمات ، ولكن المشكلة الأساسية تكمن في أمرين مهمين ، أولهما النسيان ، والثاني استبعاد الخطر الذي يسميه البعض (المكابرة) ، فأنت إن كنت مدخنا مثلاً ترى غيرك أصيب بالمرض بسبب التدخين ، لكنك تستبعده عن نفسك ، وعلى ذلك فقس ، ابتداءً من مشكلاتك الصغيرة إلى أقصى مدى يمكن أن يمتد إليه نظرك وتفكيرك ، وستجد أن الناس يسقطون في الحفرة ذاتها التي رأوا بأم أعينهم غيرهم يسقط فيها وبنفس الأسباب التي كان يمكنهم تجنبها أو معالجتها ، ولا تبرير سوى ثقتهم المفرطة في أن (الأسبرين) هو العلاج الوحيد والنهائي للصداع ، وبعد أن يتفاقم الوضع وتقع الفأس في الرأس يدركون كم كان ثمن الثقة في (الأسبرين) فادحًا .