في البرامج الحوارية ، ما زال الجهل يهيمن على الذهنية العربية لدى بعض المثقفين أو المفكرين أو المحللين الرياضيين ، وفي تصوري ، يقاس مدى وعي هذا الضيف أو ذاك بمقدار الحلم والعلم اللذين تكتنزهما شخصيته ، وكذلك توازنه في طرح القضايا وقدرته على قبول الرأي المخالف أو تقبله للنقد البناء. وقد استطاعت بعض القنوات الفضائية المستقلة منها أن ترفع سقف هذا الهامش الحواري ، والذي لم نعتده من القنوات الرسمية المتخشبة ، وشهدنا معارك كلامية قد تصل إلى حد الشجار وتنحرف من الموضوعية إلى الشخصية. أقول قولي هذا .. بعد أن شاهدت مقطعا مصورا لأحد البرامج الرياضية على القناة السعودية الرياضية ، حيث كان الاستديو التحليلي يغص بالمنظرين الرياضيين المتعصبين ، ولكن ما استرعى انتباهي هو خروج أحدهم على الأخلاق الرياضية والأعراف الإنسانية ، بسبب تعصبه المقيت لنادي القرن كما يزعمون .. الحوار كان يدور حول إحصاءات بعض الأندية في سجل الاتحاد الآسيوي ، وقبول البعض ورفض البعض الآخر ، ولكن سرعان ما تحول الحوار إلى عنصرية بغيضة ظهرت بعد أن بدأ المحلل الهلالي عبد الرحمن السماري يحلف بالله حول هذا الموضوع ، بينما قاطعه خصمه الاتحادي اللدود عدنان جستنية بقوله: (قول رأيك بدون أن تحلف) ، ففاحت رائحة الجهل المركب عندما قال السماري: (أنا أحلف لأني سعودي الأصل والمنشأ) ، واستطرد قائلا بنشوة زائفة: (احمد ربك بوجود نادي الهلال الذي رفع اسم السعودية)! وأنا هنا لست مع فلان أو ضد علان ، ولكني أحاول أن أتلمس تشوهات فكرية ، وانتشار ثقافة الأنا المتضخمة ، وقصورا في الفكر ، ونظرة استعلاء فارغة ليس لها أي مبرر أو سند منطقي ، نابتة من عقلية يفترض أنها تؤسس الوعي الرياضي ، وتنشر الخلق الراقي بين جحافل المشجعين والرياضيين. وإلا فما علاقة (سعودي الأصل والمنشأ) بالرياضة التي هي لغة الشعوب الحديثة ، وهي التي تؤلف بين قلوب الأعداء في السياسية ، وتصنع ما تعجز عن صنعه جميع الخطب والدروس والمحاضرات والسياسات الدولية؟! وإذا كان هذا هو منطق النقاد الرياضيين الذين يفترض أن يكونوا هم الأنموذج الأسمى لدى المهمتين بالرياضة ، فكيف سيكون منطق لاعبي الحواري وأولاد الشوارع الخلفية؟! ويكفي.