صرخت .. هكذا مثل كل البشر .. هي ساعة الصفر وكفى .. مولود عاجز .. مكونات إنسان يتمدد .. نحو مستقبل يتمدد .. كنت طريا .. محتاجا لأهلي .. استقبلوا .. ظلوا بجانبي .. قصة الحياة .. اختارتهم مجمعا لمستقبلي .. قدري .. كنت منهم .. وسأبقى. هكذا كان لقائي مع الدنيا .. صرخت للكون حولي .. صرخت للأرض تحملني .. صرخت للسماء تحتويني .. صرختي الأولى .. إعلان بدء حياة جديدة .. استوعبتها الحياة .. الشجر والمدر .. الهواء والمدى .. إلا البشر .. صرختي لهم تحقيق ذات .. فراغ يسبحون في مداه .. كنت لهم صوتا ورسالة. وجودي فرحة وبهجة .. تناقلت أياديهم جسدي .. يتلمسونه .. منحوني اسما من أسمائهم .. رسمت لهم بسمة الأمل والفرح .. بسمة السعادة .. كل هذا من صرختي. بداية عربية .. سبقني صوتي .. عرف الأزمنة المقبلة .. عرف الأمكنة .. صوت إلى المجهول .. إلى المستقبل .. صراخي شكل نبأ قدومي .. استعدوا .. عربي قادم إلى الدنيا .. إليك يا مستقبل البشر .. والكون والمصير .. سبقني صوتي .. رمزا في سيرة الحياة .. له موقعا ومنبرا .. أصبح شأنا لفهم الحياة .. صوت.. للأموات خلود .. صوت.. للأحياء وجود. كبرت .. رأيت نفسي في المواليد من حولي .. سمعت صراخهم .. رأيت فرحة العرب حولهم .. عشت احتفالاتهم .. فرحة الولادة .. طفل يلد الأمل .. يحمل الأمل .. بعد سنين .. يسلم راية الأمل .. هذه كل قصتي. خطى .. رسمت وشما في وجه الحياة .. رأيت مشاعر الفرح .. لا موت مع الحياة .. لا موت وهناك ولادات .. نتجذر في أرضنا بأطفالنا .. نحتفل بنسلنا ونبتهج .. نعرفه .. منّا ولنا. نعرف نسبه وماء حياته .. ولذة دفقه .. وبهجة تكوينه وحمله .. نعرف تاريخ قدومه .. نعرف عروبته .. عربي .. لعربي .. عن عربي .. هكذا مع كل مولود عربي .. تمددت أطرافي .. تعرب لساني .. وصلت مشارف الستين .. ومازلت عربي. عشت أحداثا كبيرة .. حروب .. وقهر .. وهزائم .. عشت بتاريخ عظيم .. يدفع ويساند .. تجرعت خيبات ورثتها .. وأخرى شاركت في بنائها .. عشت في أحضان بعضها .. سيرثها غيري كما ورثتها. عشت حرب العرب .. هي الأولى في حياتي .. كانت هزيمة.. سجلها التاريخ نكسة .. سجلتها رقما في حياتي .. تذكرون مثلي .. سبعة وستين .. رقم توقفت عنده ذكرياتي .. أتى برقم جديد .. منح الأمل .. حفز الهمم .. سجلته في مذكراتي .. كعربي .. نصر ثلاثة وسبعين. هكذا كنت أعتقد .. لكنها حرب فجرت المواقف .. أوجدت منابر الخنوع والهزال .. أوجدت تصحرا وجفافا عربيا .. بدت قوافل التنازل .. صاح العرب كل العرب يا خيبة الأمل .. تنازلوا عن الأرض .. بأهلها .. سلّموها للشياطين. عرفت كعربي .. مقدار ضعفي .. وهزالي .. وعجزي .. سقطت بغداد. هكذا أمام عيني .. مشهد .. لبداية المشاهد المنقولة .. عرب صامتون .. بغداد لن تعود .. عرب يباركون .. بغداد لن تعود .. قبلها ذهبت فلسطين .. ضاع العراق .. نزعوا اسم العروبة من الدستور .. تلاشى الوصف العربي من الدستور .. انتزعوها .. جردوها من ثيابها .. تبقى لمن يريدها .. جاهزة .. لتركيب وصفة المنتصر.. كما يريدها. لا أعرف المستقبل .. شواهده حاضرة .. ماثلة .. واضحة .. مع حروب تكديس الأموال .. ونهب الثروات .. واستعباد شعوب العرب قاطبة .. أي فكر نحمل؟ هل نحمله في البنطال؟ هل نحمله في الثوب؟ هل نحرسه بالعقال وحزام البنطال ؟ هل تحمله حواشي الفساد ؟ لا يهم .. هناك من يسجل .. هناك من يتجاهل .. هناك بائع وخائن. جميعهم .. يدّعون الإخلاص .. والتطوير .. والتجديد .. كغيرهم عبر العصور والأزمان .. بقيت وحدي .. كبقية العرب .. نتجرع نتائج الأحداث والأزمات .. حتى العيش في الأوطان .. أصبح عناء وغثاء .. هناك من يعتلي الأجساد .. هناك من يئن بحملها .. هناك أطفال قادمون .. يصرخون .. كآبائهم .. قادمون .. قادمون. فتش عن الحياة .. في رسالة بيضاء .. في سنبلة قمح تنتظر .. في برعم يتطلع إلى السماء .. في قطرة الندى .. في صوت عصفور مغرد .. الرسالة فيك .. بين يديك .. أنت عربي .. رسالة قوية .. لكنها في يد ضعيفة .. في جسم هزيل .. هل تصل؟! جعلوك ضعيفا .. جعلوك محبطا .. لتبقى رسالة عاجزة .. جامدة .. يعرفون .. إنها كامنة .. تنتظر .. تنتظر هطول المطر .. أنت المطر .. عربي العقل والفكر والحياة .. عربي النهج والجذور .. عربي يصنع الفرج .. ينحت في التاريخ مجرى المطر .. هل يمنعون المطر؟! تكاثروا يا عرب .. سلاحكم .. في مراحل الضعف والهوان.