دائماً ما تكون هناك أمور صغيرة لا يلقي لها المرء بالا ، ولكنه يكتشف بعد برهة من الزمن أن ما كان يراه صغيرا هو حجر الأساس لكبائر الأمور ، الأمثلة كثيرة على ذلك ولا حصر لها ولكني سأتطرق لأصغر مسمار في حياة أي مواطن ألا وهو الخادمة المنزلية ، فالخادمة في عصرنا الحالي باتت كالزوجة ولكن مع إيقاف التنفيذ ، فهي التي تطبخ وتنظف وتمسح وتربي الأطفال وتغسل ملابس الأسرة وهي حافظة أسرار المنزل وهي من تسأل الأطفال عن كيفية قضائهم ليومهم الدراسي وهي من تقوم بكافة أعباء الأسرة تاركة للمرأة الأخرى الحرية التامة في الانطلاق نحو الزيارات والمكالمات الهاتفية والتي لا طائل منها سوى إضاعة الوقت وفاسحة المجال للزوج للاهتمام بعمله والسفر بقلب مطمئن إلى شتى بقاع العالم بحثا عن الرزق وكله يقين بأنه ترك في المنزل الشخص الأمثل لرعاية أبنائه والاهتمام بهم. ولكن ما الذي قد يحدث لو تركت الخادمة منزل المدير العام في احدى القطاعات ؟ لاشك أن البعض قد لا يرى في الأمر ثمة مشكلة ، فهذا مدير ولن تتوقف حياته وإنتاجيته على مجرد خادمة ، ولكن حقيقة الأمر تكمن في أن رحيل الخادمة سيفتح على المدير بابا من المعاناة ربما يفوق ما يعانيه المواطنون عندما يراجعون إدارته ، فبمجرد رحيل الخادمة سيكتشف المدير بأنه لا فائدة من وجود المرأة الأخرى في المنزل ، فهي لا تجيد الطبخ وتكره جميع الأعمال المنزلية ، وتشكل المكالمات الهاتفية والنميمة بين الأصدقاء الشغل الشاغل لحياتها فالهاتف بالنسبة لها مثل الماء بالنسبة للسمك ، لن يجد المدير ملبسا نظيفا يرتديه لكي يذهب للعمل وسيأتي للإدارة شاحبا مصفر الوجه لعدم وجود من يحضر له طعام الإفطار قبل الذهاب للعمل ، سيرى المدير أبناءه وهم يغيبون عن مدارسهم بسبب عدم وجود من يوقظهم ناهيك عن حالة الفراغ النفسي الذي سيمرون بها بسبب عدم وجود من يهتم بهم ، وسيكتشف المدير في النهاية بأن بيته الذي كان يضرب به المثل في النظام والترتيب بات يعج بفوضى قد تفوق تلك الفوضى الموجودة في إدارته. ومن يدري ربما يكون فشل الكثير من المدراء في مناصبهم عائداً لهروب الخادمة أو تركها للمنزل ، وكل ذلك بسبب مسمار جحا صغير الحجم ... وكبير الأثر. ولكن إن كانت سلوكياتنا الخاطئة قد منحت للخادمة هذا الدور الحيوي في تقرير المصير ، فلماذا إذا لا نحسن معاملة الخادمات ونقدر جهودهن بما أننا أصبحنا في حاجة إليهن أكثر بكثير من حاجتهن إلينا ، أتمنى أن نراعي بحق الجهد العظيم الذي توفره لنا الخادمة المنزلية ، ولا مانع من أن تتعلم المرأة الأخرى الموجودة في المنزل منها عوضا عن إضاعة كامل اليوم على سماعة الهاتف.