تؤدي لجان إصلاح ذات البين الموجودة في إمارات المناطق دورا حيويا مهما في احتواء بعض المشكلات ومعالجتها قبل أن تصل إلى ساحات القضاء ، وهو الدور الجميل الذي كان يقوم به في السابق عمد الأحياء وعرفاء القرى وشيوخ القبائل بمساندة الوجهاء ، ولاشك أن دور لجان إصلاح ذات البين جدير بالدعم المادي والمعنوي من الجميع ، وأتصور أن أحد أهم أوجه الدعم هذه هو إحياء الدور القديم للعمد والعرفاء وشيوخ القبائل وفق تنظيم حديث يتضمن تطوير ذلك الدور بحيث يصبح هؤلاء رافدا مهما ليس لإصلاح ذات البين فقط بل للتنمية بمعناها الواسع . إن هؤلاء – أقصد عمد الأحياء وعرفاء القرى وشيوخ القبائل– بصفة عامة أصبحوا على الهامش فلم يعد لهم ذلك الدور التاريخي المعروف عنهم ولم يعد لهم تلك القيمة المعهودة في أوساطهم ، ولعل ذلك يعود إلى سببين، الأول: أن ما كان عرفا في السابق اضمحل أو أخذ في التلاشي دون أن يتحول إلى نظام يحدد واجبات وحقوق هؤلاء بصورة دقيقة ، فواجبات هؤلاء انتقلت تدريجيا إلى الشرطة والمحاكم وبقية الجهات الرسمية ولم يعد يتجاوز دورهم التعريف بفلان أو نحو ذلك وهو دور في طريقه إلى الاضمحلال ، أما حقوقهم فيكفي أن نعرف أن معظمهم أصبحوا في خانة الفقراء فليس لهم رواتب مجزية ولا دخل يعينهم على تبعات الألقاب المعنوية التي يتصفون بها. أما السبب الثاني: فهو يتعلق بالكفاءة بشقيها المعنوي والمادي ، والواقع يشهد بذلك فهناك عمد وعرفاء وشيوخ خدمتهم كفاءتهم المعرفية والتعليمية وقوة حضورهم وإمكاناتهم المادية الشخصية فكان لهم دور تطوعي – وليس نظاميا– فاعل ومهم ، وهذا أمر ملحوظ ومعروف سواء في المدن أو القرى وفي أوساط القبائل بادية وحاضرة ، فهؤلاء مازالت لهم مكانتهم وكلمتهم ودورهم لكنهم في النتيجة النهائية قلة لا يمكن القياس عليها، ولو كان هناك نظام يتخذ من هؤلاء القلة أنموذجا يقاس عليه وفي ضوئه تعالج أوضاع البقية لأصبح لهؤلاء العمد والعرفاء والشيوخ دور حضاري مهم يساند بقية الجهات الأمنية والقضائية والتنموية، فهؤلاء إذا أحسن اختيارهم أو انتخابهم وفق معايير كفاءة واضحة وتحقق دعمهم ماديا ونظاميا ، فإنهم يعرفون أكثر من غيرهم من الجهات الرسمية ويستطيعون أن يخدموا قضايا مجتمعاتهم وبيئاتهم بصورة أدق وأفضل وأشمل ، وأقل تكلفة ، هذا إذا اعتبرنا أن انشغال الدوائر الرسمية بقضايا مختلفة يمكن حلها في إطار الحي أو القرية يعد تكلفة مهدرة جهدا ووقتا ومالا. وأخيرا أود أن أقول إن لدينا الكثير من الومضات الجميلة في ماضينا التي يمكن تطويرها واستثمارها في التنمية والتنظيم والتحضر لكنها مع الأسف مهملة ، ومع أن التطور الطبيعي تراكم من الخبرة والتجربة إلا أنه في بعض جوانب تطورنا يبدو منبتا عما قبله، وكأننا نريد اختراع العجلة في كل شيء.