حرر أحدهم شيكين بدون رصيد قيمتهما ستة آلاف ريال فتم القبض عليه وأودع السجن كما نشرت "الوطن" يوم السبت الماضي، وهذا إجراء قانوني نظامي، إذ لا بد من حفظ حقوق الناس، وإعطاء الشيكات حقها من الاحترام والهيبة، فإذا كان الرجل موسرا وقادرا على الوفاء بالمبلغ فلا بد من تكليفه بالسداد ومعاقبته عقوبة واضحة ومحددة على الخطأ الذي ارتكبه عند تحرير الشيكين، وهنا لا مشكله، المشكلة إذا أثبت أنه معسر وصدر بذلك صك شرعي بعد أشهر أو سنوات يثبت عسره فإنه قد يقضي عمره كله في السجن، إلا إن سددت عنه لجنة رعاية السجناء المعسرين التي تؤدي دورها في ضوء ما يأتيها من تبرعات ينص أصحابها على أنها لسداد الدين عن المعسرين، وصاحب الستة آلاف أعلاه من النماذج التي يمكن للجنة السداد عنه، نظرا لتواضع المبلغ، لكن هناك سجناء معسرين مدينين بمبالغ ضخمة لأفراد أو شركات أو بنوك تدخل خانة مئات الألوف وربما الملايين، وهؤلاء هم الذين أقصدهم بقضاء العمر كله في السجن، وأصحاب الدين لن يستفيدوا شيئا من سجنهم، فإذا كان هؤلاء المعسرون المقيمون إقامة دائمة في السجن ممن يعولون أسرا فإن مأساتهم تصبح أكبر، وقد يظل أحدهم سنين عددا ليفاجأ بقدوم ابنه سجينا إلى جواره في جريمة سرقة أو مخدرات أو دين آخر، والسبب في ذلك غياب عائل الأسرة خلف الأسوار. لست ضد عقوبة هؤلاء المعسرين فهم مذنبون لا شك، ويستحقون العقاب، لكنني أسأل عن العقاب المطلوب لهم؟ فما الفائدة من سجنهم، ولكل منا أن يسأل نفسه لو كنت تطلب أحدهم سداد عشرة آلاف أو مئة أو أكثر ثم تم سجنه وثبت شرعا إعساره فمن أين تحصل على ما تطالبه به طالما هو في السجن؟ ستقول فورا ومن يضمن أن يخرج من سجنه ليعمل ويتدبر أموره حتى يسددني؟ وهذا هو السؤال الذي لا بد من الإجابة عنه، وأنا لا أملك له إجابة مقنعة، لكنني أعتقد أن وزارتي الداخلية والعدل تستطيعان دراسة الأمر والوصول إلى إجابة مقنعة لأصحاب الحقوق تضمن حقوقهم إذا تم إطلاق سراح هؤلاء المعسرين الذين لا جدوى من سجنهم ولا فائدة يمكن انتظارها، وفي ظل التقنية الحديثة والتي تطبقها وزارة الداخلية فإنه يمكن محاصرة أي شخص ومنعه من السفر إلى أن يعمل أو يتدبر أموره ويسدد ما عليه بدلا من السجن الذي قد يفتح بابا من المشكلات والمآسي في حياة أسر هؤلاء المعسرين بسبب غيابهم عنهم، فتتعدى العقوبة الشخص المذنب إلى أبرياء قد يتحول بعضهم إلى مجرمين في ظل غياب رب الأسرة، وبالتالي غياب التربية والمتابعة وغيرها، حتما هناك حلول بديلة مجدية غير السجن، ولا بد أن نبحث عنها لمصلحة الوطن كله.