نزلتُ ضيفاً معتمراً على ملك الملوك، المحيط بكل شيء، القادر على كل شيء، العزيز، الجبَّار المتكبِّر، فوجدت بابه مفتوحاً للكبير والصغير، والغني والفقير، بلا تأجيل ولا تأخير، كنت واحداً من مئاتِ الآلاف الذين يملؤون رحبات المسجد الحرام وساحاته، ويطوفون حول الكعبة مسبحين محمدين مكبِّرين، داعين متبتلين، ويسعون بين الصفا والمروة موقنين جميعاً بأن الله يراهم، ويسمعهم، وأنه بفضله وجوده ورحمته لعباده يستحي أن يرفعوا إليهم أيديهم فيردّها صفراً. يا له من باب مفتوح للجميع، لا يُمنع من دخوله أحد، ولا يُردُّ عنه أحد، ولا ييأس من رحمة صاحبه وفضله أحد. باب مفتوح يدخل منه السادة والكبراء، وهم بأمس الحاجة إلى عفو ملك الملوك ومغفرته برغم ما هم عليه من مكانة بين الناس في الدنيا، كما يدخل منه الضعاف والفقراء، وهم بأمس الحاجة إلى عفوه ومغفرته فما يصرفهم عنه ضعفهم ولا فقرهم. تأمَّلت وجوه الناس على اختلاف ألوانها وتقاسيمها فوجدتها مفعمة بالأمل في رحمة ملك الملوك وفضله، ووجدتها مضيئة بالسعادة لأنها تجد باب الملك العظيم مفتوحاً في كل وقت، فلا تجد عليه حاجباً ولا تجد عن دخوله صارفاً، ولا تخشى من ضيافته مانعاً. الباب المفتوح الذي لا يغلق أبداً، يأتيه الآتي نهاراً فيجده مفتوحاً على مصراعيه يتلألأ فيه نور الكرم الذي ليس له حدود، ويأتيه ليلا فيجده على تلك الحالة من الانفتاح والتلألؤ، وهو كذلك صباحاً ومساءً لا ينقطع عنه أمل، ولا ينكسر دونه رجاء. باب ملك الملوك الذي بيده ملكوت كل شيء، يظل مفتوحاً للخلق جميعاً، في الوقت الذي تغلق فيه أبواب الملوك والسلاطين، وسادات الناس وكبرائهم، لأنها أبواب بشر يحتاجون إلى الراحة والنوم، ويعتريهم الكسل والملل، ويصيبهم المرض والسقم، وتسخو نفوسهم حينا، وتبخل أحياناً أخرى، ويظلون ضعافاً أمام عظمة الخالق العظيم، محتاجين إليه كحاجة الفقراء المساكين أو أشد، فشتان بين أبوابهم وبابه سبحانه وتعالى. آلاف الأيدي ترتفع بالدعاء إلى ملك الملوك، كلُّها تطلب ما تريد من حاجات الدنيا والآخرة، وكلَّها تحظى بلطف الله وعنايته، فهو يراها مرتفعة إليه، ويسمع دعاء أصحابها الموجّه إليه سرَّه وجهره، كثيره وقليله، وهو سبحانه وتعالى الذي قال لعباده جميعاً: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}، فقد وعدهم بالإجابة إذا دعوه مخلصين، وأخبرهم في الحديث القدسي أنهم لو اجتمعوا جميعا، جنهم وإنسهم، أولهم وآخرهم، صغيرهم وكبيرهم وسألوه فأعطى كلَّ واحدٍ منهم مسألته ما نقص من ملكه سبحانه شيئاً إلا كما تنقصُ الإبرة من البحر تغمس فيه. ما أعظمه من بابٍ وما أجمله، وما أحسن الدخول منه إلى رحمة الله سبحانه وتعالى وفضله، وجوده وكرمه، وعطائه الذي لا ينقطع. أبواب البشر مغلقة وهم نائمون، وباب خالق البشر مفتوح لأنه سبحانه لا تأخذه سنة ولا نوم. أبواب البشر مغلقة لأنهم قد فارقوا الحياة، وباب خالق البشر مفتوح لأنه حيٌّ لا يموت. أبواب البشر مغلقة في وجوه الذين يهجرونها وينقطعون عنها، وبابُ خالق البشر مفتوح في وجوه من يهجرونه وينقطعون عنه، لأنه باب الجواد الكريم الذي يقبل توبة عباده ويعفو عن السيئات، وهو أرحم بعباده من أنفسهم. الباب المفتوح الذي لا يُغلق في وجوه العُصاة والمجرمين حينما يأتون إليه تائبين نادمين مستغفرين، هو باب ملك الملوك. الباب المفتوح الذي لا يغفل عنه إلا محروم، ولا ينصرف عنه إلا مدحور مذموم، باب الحي القيوم، الذي لا تأخذه سنة ولا نوم. أيها الأحبة.. هذه تأمُّلات ضيفٍ نزل على ربع معتمراً في شهر رمضان المبارك، تداعت إلى ذهنه معانيها وهو يرى تلك الجموع الغفيرة من كل جنس ولون تدخل من باب الله المفتوح، لا يردُّها عن رحابه رادُّ، ولا يصدُّها عن رحمته صادُّ، تداعت إلى ذهنه وهو في بيت الله الحرام لما رأى ذلك المنظر البديع لتلك الألوف المؤلفة من القاصدين، وهو على يقين أنَّ باب الله مفتوح في كل زمان ومكان، فهو مفتوح لإنسان في أقصى أقاصي الأرض، كما هو مفتوح لمن يزدحمون في رحبات البيت الحرام وساحات المباركات.. فهيا بنا إلى باب الله المفتوح. إشارة : سوى قَمرِ الهدى يخشى الأفولا=وغيرُ الحقِّ يخشى أنْ يميلا