جاء تدمير «هيروشيما» انتقاما من الهجوم الياباني على ميناء «بيرل هاربر» في الحرب العالمية الثانية، وجاء تدمير «الفلوجة» انتقاما من قتل أربعة من مرتزقة شركة «بلاك ووتر» وإحراق جثثهم في أبريل 2004م. بين الانتقامين أكثر من خمسة عقود تطورت خلالها صناعة الأسلحة الأمريكية، ففي حين كانت قنبلة «هيروشيما» أول إنتاج في هذا المجال فإن أسلحة الانتقام في «الفلوجة» كانت أشد فتكا وأكثر إضرارا لأنها حصاد تطوير طويل. يستعرض «باتريك كوكبرن» في الإندبنتت عدد السبت قبل أمس المعدلات المفزعة لوفيات الأطفال والسرطان في «الفلوجة» العراقية وما يثير من تساؤلات حول الهجوم. يشير المقال إلى دراسات لأطباء عراقيين عن ازدياد السرطان بين أطفال الفلوجة دون الرابعة عشرة إلى اثني عشر ضعفا وازدياد وفياتهم إلى أربعة أو ثمانية أضعاف نظيراتها في الأردن والكويت على التوالي. هناك أيضا في المقال إشارة إلى دراسة أجراها البروفيسور «كريسي بوسبي» في جامعة «أولستر» على (4800) من سكان «الفلوجة»، تعرضوا لمستوى معين من اليورانيوم، بل ربما كانت هناك أنواع من الأسلحة التي تخترق الجدران لتقتل الناس في الداخل. خلصت الدراسة التي شملت الفترة من 2005م إلى 2009م أي الخمس السنوات التي تلت تدمير «الفلوجة»، إلى أن معدل وفيات الأطفال هو (80) وفاة لكل ألف حالة ولادة مقابل (19) في مصر و (17) في الأردن و (9.7) في الكويت. كما أن السرطان مشابه لما تعرض له الناجون في «هيروشيما» إلا أن الزيادة في معدل الإصابة باللوكيما بلغت (38) ضعفا في الفلوجة مقابل (17) ضعفا في «هيروشيما». يقول الدكتور «بوسبي» لم يقتصر الأمر على تضاعف الإصابات بالسرطان بل في السرعة التي يتم الانتشار فيها بين الناس. هناك مضاعفات أخرى تتعلق بسرطان الثدي لدى النساء الذي تضاعف عشر مرات وكذلك الأورام اللمفاوية والدماغية، مع انخفاض في معدل ولادات الذكور مقابل الإناث حيث يعبر تناقص المعدل عن اختلال الجينات المتعلقة بالمواليد الذكور. تكبدت الحكومة الأمريكية حتى الآن أكثر من (3) مليارات من الدولارات لكن ما أصاب العراقيين من دمار وآلام وفوضى أضعاف ذلك بكثير ولا يقدر بثمن، ربما ربحت العراق الديموقراطية وتخلصت من طاغية، لكن الطغاة الآن من الداخل والخارج سواء أكانوا من الجيران أو الأغراب هم أكثر بكثير وأقسى بكثير. الديموقراطيات يكون خيرها كله للداخل وشرها للخارج بينما الدكتاتوريات يكون خيرها للخارج وشرها للداخل أما العراق فيظل يعاني من قبل ومن بعد، وكأنه الحالة الفريدة في تاريخه العريق، ولكن الأمل كبير في لطف الله.