لايمكن بأي حال من الأحوال أن أستغرب من صدور مسميات جديدة ينعتنا بها معتنقو الفكر المتشدد، كوننا نحن معشر الإعلاميين من كتاب الأعمدة ومحرري الأخبار والتقارير نعري الحقائق الاجتماعية، ونكشف الزيف الذي أحاط بغشاوته المزدوجة على أبصار المتطرفين فكرا، والمتعجرفين قولا !. فجنود الشيطان على حد وصفهم طوال مسيرتهم الإعلامية لم ينتجوا تفجيريا ولا تكفيريا ولا إرهابيا واحدا، بل كانت دعواتهم تحث على التسامح والتعايش والحوار، وجنود الشيطان لم يحرضوا الناس على القتل المجاني، ولم يصدروا فتاوى تستبيح وتهدر دماء بني آدم، ولم يجيشوا النفوس ويوغروا الصدور ويشحنوا القلوب ضد أبناء الوطن الواحد بدعوى الإصلاح ومحاربة الفساد المزعوم !. جنود الشيطان يا سادتي الأعزاء هم الذين يحاربون بالفكر والكلمة ليل نهار الفساد الإداري والأخلاقي، وهم الذين يجترحون الأوراق نثرا وحبرا وقهرا لمعالجة قضايا البطالة بين الشباب ومناقشة أسباب الفقر، والعنوسة، وانتشار المخدرات، وهم الذين يبحثون عن أسباب تعثر المشاريع ونقص الخدمات الأساسية على المواطن، ومجابهة الفكر الضال الذي يتعارض وخطط الدولة التنموية والحضارية. وجنود الشيطان .. أيها الشيوخ الأفاضل هم الذين يسعون للتغيير للأفضل، واللحاق بالعالم الأول الذي يفكر ويصنع ويخترع وليس لديه أي عقد دينية أو اجتماعية تمنعه أو تعيقه من التقدم والدخول واثقا إلى عصر الحرية والتنوير، وهو محافظ على منظومة قيمه الإنسانية. وجنود الشيطان .. هم الذين يحاورون ويناظرون ويتقبلون الرأي والرأي الآخر تحت مظلة (وجادلهم بالتي هي أحسن)، لايصادرون الآراء المخالفة ولا يلغون الطرف الآخر بحجج واهية، وإسقاطات واهمة !. وجنود الشيطان .. يجتمعون ويتفرقون حول قواسم مشتركة تصب كلها في مصالح الوطن العليا، فليس لديهم أممية ولا حزبية ولا ولاء لمنظمات خارجية إرهابية تتسلل إلينا من جبال الشرق وأدغال الغرب والتي تزعم أنها ستحرر العالم من شرور شياطين آخرين منتشرين في كل أصقاع العالم !. وجنود الشيطان .. هم الذين يرون أن الوطن متن، والبقية هامش .. والإنسان وكرامته وحريته وحقوقه قبل كل شيء، ولم يسخروا النصوص اليقينية حسب أهوائهم ومصالحهم الشخصية ورغباتهم الذاتية، أو يطلقوا فتاواهم في أمور هامشية لاتسمن ولا تغني من جوع !. فإذا كان هؤلاء هم جنود للشيطان، حسب تصورات أفقهم الضيق، فأنعم بها من (شيطنة) إيجابية، تستدرج الحق وتعين المظلوم وتحافظ على المواطن والوطن بكل مقدراته ومكتسباته وتساهم في البناء والعمار، وليس في القتل والدمار .. ويكفي.