ليس أكثر رواجا في أيامنا من قنوات الاستفتاء وتفسير الأحلام والشات والأغاني، فهي تختزل الحالة النفسية التي تسيطر على العربي الذي لم يجد وسيلة غير الانكفاء على ذاته باحثا عن سبيل. ماذا لو أن هذه الوسائط كانت للتوعية للارتقاء بالحياة والإبداع في تطوير الذات وبناء المجتمعات من تعلم جديد مفيد أو بناء أسرة ناجحة فاعلة أو مساعدة ذوي احتياجات في الحياة كي تنمو بهم الحياة؟ ومما تعجب له أكثر في هذا الخضم البارد سرعة انتشار الفتاوى الشاذة التي لا ينبني عليها عمل ولا تستقيم بها حياة ولا يرتقي بها أسلوب أو ينهض مجتمع وإنما هي من أصناف ما يتلهى الناس به، بل إن هذه الفتاوى تفتح ساحات معارك لا تكاد تخبو حتى تشتعل نارها من جديد، في الوقت الذي يتوارى فيه صاحبها ويستمتع بمتابعة المشهد من بعد. لو أن كثيرا من مروجي الفتوى قصروا هممهم على ما ينفع الناس ويمكث في الأرض وكان هناك من يحاسبهم محاسبة قاسية على فتواهم لاستقام الأمر ولتراجع أغلب المتلاعبين بعقول الناس وضمائرهم وأوقاتهم وأموالهم. كل ما ورد في القرآن الكريم من قبيل يسألونك أو يستفتونك إنما كانت في القضايا الكبرى وكأنه يعلم أتباعه أدب الاستفتاء، وإلا فما شأن الناس بمن يطمح إلى الرضاعة من غير ذات محرم لتصبح وكأنها أمه التي أرضعته، ولو أنك طفت العالم من أقصاه إلى أقصاه لما وجدت امرأة سوية تكشف عن ثديها حتى لابنها الذي ظلت عامين تطعمه وتسقيه منه، بل هي تأنف عن مجرد سماع الفتوى، وقد لا تقبل الفتوى حتى في مناطق بدائية تسير النسوة فيها عاريات وكذلك الرجال.