السائلان (أبو الوفاء -الرياض-، وآخر لم يذكر اسمه) قال أحدهما -وهو أبو الوفاء-: سعدتُ جدًّا بتغيير عنوان زاويتكم إلى (فتاوى لغوية)، أتمنّى من فضيلتكم توضيح معنى الفتوى، وأنها لا تقتصر على الفتوى الشرعية. وقال الآخر: هل يقال: الفُتيا، أو الفَتوى؟ الفتوى 2: يقال في اللّغة: فَتْوى وفُتْيا، إذا فتحتَ الفاء جئتَ بالواو، وإذا جئتَ بالياء ضممتَ الفاء، وحكى في (القاموس) الضمّ في (الفُتوى)، واعترض عليه، وناصره الزّبيديّ في (التاج)، والجمع: فتاوِي، ويجوزُ الفتحُ، وهو أخفّ وأشهر. وقد وردت الفتوى بمشتقاتها في الحديث في عشرات المواضع، لا سيما على لسان الصحابة في تحديثهم. ومن كلام النبيّ صلى الله عليه وسلم: (فسئلوا فأفتوا بغير علمٍ)، وفي (مسند البزار): (فأفتوا بالرأي)، والأول هو الصحيح، وهو في الصحيح. ومعناها في معاجم اللّغة: بيان الحكم أو الجواب عن المشكل، كما أشار إلى ذلك الرّاغب، وأمّا ابن فارس؛ فقد خيّب ظنّي، ولم أجد له تأصيلاً يفرحُ به، ولطالما أفَرَحَ، وأحسب أنّ اشتقاقها من الفُتوّة، والفتى هو القويّ النشيط، والفتوى لا يقوى عليها كل أحد. والمتأمّل في مواضع ورودها في الكتاب العزيز، يتجَلَّى له أمورٌ: منها: إطلاقها على المشكل من الأحكام، كقول الله سبحانه: (يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ)، وعلى المحيّر من الرأي في سياق المشورة، كقول ملكة سبأ: (أَفْتُونِي فِي أَمْرِي)، وعلى ما يسأل عنه في الرُّؤى والأحلام، كقول الله سبحانه مخبرًا عن ملك مصر: (يَا أَيُّهَا الْمَلأُ أَفْتُونِي فِي رُؤْيَايَ). ومنها: إطلاق الاستفتاء على مطلق السؤال، ولو كان تهكميًّا في دعوى باطلة، كقول الله سبحانه: (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَنَاتُ وَلَهُمُ الْبَنُون). ومنها: أن الإفتاء يسند إلى الله، إذ أسندها سبحانه إلى نفسه، وأخبر أنه يفتي من استفتى رسوله في النساء والكلالة، وذلك في موضعين من كتابه، كلاهما في سورة النساء، أحدهما تقدم ذكره، والآخر: (وَيَسْتَفْتُونَكَ فِي النِّسَاء قُلِ الله يُفْتِيكُمْ فِيهِنَّ). وأمّا إطلاق الفتاوى على غير أحكام الفقه؛ فهو معروفٌ، وإن كانت الغلبة على إطلاقها على مسائل أحكام الفقه، ولابن حجر الهيتمي (فتاوى حديثية)، وللسيوطي (الفتاوى النحويّة) .. قضي الأمرُ الذي فيه تستفتيان.