هيله ومنيرة وحسناء .. ثلاث بنات خرجن في جنح الليل .. صديقات تجمع بينهن القرية .. بكل آمالها وآلامها .. كان الجو يميل للبرودة .. نور القمر يصطدم بوجوه الفتيات التي كانت اسماؤهن تدل على حسنها .. فيزيد نور القمر ذلك الحسن جمالاً وبهاءً .. حسناء تحمل في يدها مشعلاً يضيء لهن الطريق . و منيرة تمسك بعصاً غليظة تسمى الشون.. سلاح ومعين على الصعود والنزول .. أما هيله فتحمل فأساً حادة .. وتحمل حول كتفها لفة من الحبل تسمى الرمة .. هن يتسابقن مع الزمن ومع بعضهن في زهو ونشاط وسعادة .. يتجاذبن أطراف الحديث .. يتسلقن صفح المقطر .. في طريقهن إلى العقبة لجمع الحطب .. والعودة إلى البيت .. المسافة بين القرية والعقبة قد تصل إلى 8 كيلومترات . في طريق بين جبال وسهول ووديان ومنحدرات خطيرة .. وعندما أطلين على وادي الغمدة ارتفع صوت الحق .. معلناً أذان الفجر .. الله أكبر الله أكبر .. البنات ينزلن سفحاً ويتسلقن آخر .. بقوة ونشوة وسرعة وخفة وكأنهن يتلقين تدريبات رياضية شاقة للمشاركة في الألعاب الأولومبية .. وفي التقاء السقى بوادي الغمدة توضأت البنات بينما وضعت إحداهن شيلتها على سطح الماء وشربت شربة هنيئة بعد أن صفت الشيلة الماء من العلق .. سكون مطبق يلف المكان .. عدا أصوات متناثرة .. نقيق ضفادع .. نغمات سراي الليل .. نباح كلاب بين لحظة وأخرى .. الجو منعش .. والصبح بزغ نوره متسللاً كخيوط ذهبية .. بين أشجار الغابة الكثيفة .. نسيم الصباح العليل يداعب خمار مليحة المنسدل فوق ظهرها ومع كل هذه الشجاعة في فتيات القرية لكنك تجد في داخل كل واحدةمنهن عفاف عظيم وحياء قروي وأدب جم مع نظرة جادة للحياة البسيطة الشاقة .. منيرة لم تعرف الجوال ولا الانترنت ولا الأسواق ولا القنوات الفضائية ولا تلك الصور الخبيثة التي تسربها بعض الزميلات لبعضهن خفية 0 لذلك عاشت ورفيقاتها بطبيعتها قروية بريئة تجمع بين الآمال والآلام والسعادة والنكادة . ومع أملٍ في زوج ينتشلها من هذا العناء .. بنات القرية يتجاذبن أطراف الحديث .. كعادة الفتيات .. منيرة تطلق ابتسامة ساخرة وتتمتم لحسناء مبروك الخطيب يا حسناء .. حسناء ترد بقوة : ولالي به ولا ابغيه . ولا ابغي لمحة فيه .. يموت الجفر عنده ولا يقدر يذكيه .. حسناء ترفض هذا الخاطب لأنه لا يناسب شخصيتها فهو ضعيف رقيق .. إذاً لا يصلح .. هذا طبعاً ليس رأي أسرتها .. يتضاحكن من ردها .. وفي هذه اللحظة يلتقين بفتيات من قرية اخرى 0 ومن فوق قمة ذلك الجبل الأشم .. تطل الفتيات على سهول تهامة العميقة الغور .. رباه إن المسافة بعيدة .. والطريق وعرة المسالك .. قالت منيرةة .. إن الله لمن درى متى يجي الخطيب ويقعدني في البيت ..؟ إن الله لك يا هيله في أتلى الشهر بتروحين عروس فتتنهد هيله بصوت يكاد يهز العقبة .. آه يا منيرة والله ياكربتي منهم يغطهم مشكل شقاهم 0 عندهم سانية من الثيران .. ومن بير في بير .. ومن ركيبة في ركيبة .. وصرام ودياس .. ومسراح للعقبة .. وش في خاطرك .. بيخلوني اقعد في البيت .. حسناء .. يمكن ياخذك معه الطائف إلى غدا يدرس .. منيرة .. آها لا حجت البقرة على قرونها .. والله ما يخلونك أهله تبرزين معه .. هيله ..: تقولين ان الله لك ؟.. اقل علي عني وكان .. تصل الفتيات إلى سفح من سفوح جبال السراة الشاهقة .. ويبدأن بجمع الحطب اليابس .. إنها مهمة شاقة .. عليهن البحث عن الحطب اليابس .. وترك الأخضر والحرة منهن تفوز بجذع كبير تشخته وترصه بجانب بعضه .. و تجمع عليه القليل من القشاش ( الحطب الخفيف ) .. ثم تربطه بالرمة .. وهذا يكفيها 0 مرت ساعة وهن على هذا الحال ثم أوشكن على الرحيل كل واحدة شدت حطبها بطريقة محكمة .. ارتفع صوت بكاء منيرة .. البنات : وشبك يا منيرة ؟.. مليحة : حطبي قليل وشرهة .. البنات عادتك يا منيرة أوه ما تعجلين كما ضيعتنا .. والله لتقطعت أيديه .. وأنا أكسر حطب الجن ذيه .. ياخيبة والحياة .. بتفلحن وتخليني .. ؟ البنات .. يساعدن منيرة بجمع الحطب المتبقي . ويشدين معها .. يرجعن وقد اوشك وقت الظهيرة على الاقتراب كل واحدة تحمل عصماً من الحطب فوق رأسها . ياإلهي هذه الجبال العظيمة .. الشامخة كيف تقطع .. ما هذا الحمل الجائر .. وبدأ الأنين وجفت الحلوق .. وتساقط العرق وذبلت الوجوه وانقطع الكلام .. وعند غدير الماء تضع كل واحدة حملها .. على الجدار وتنكب على الماء .. تشرب وتغسل وجهها .. ورغم شدة التعب .. اصطفين لأداء صلاة الظهر .. وتستلقي منيرة قليلاً فتنهرها حسناء .. قومي يالحرجة .. نحاهو الحامي جاي ويلينا .. الحامي رجل يلف على رأسه عمامة حمراء .. ويلبس كوت أسود تقطعت أطرافه .. وله لحية بيضاء وكثيفة .. الحامي : سلام يا بناتي .. والعون .. هاه لا يكن بين حطبكن عود أخضر .. وبنظرة خاطفة يتفحص الحطب .. فلا يرا به شجر أخضر .. إنه يؤدي عمله بكل أمانة .. ويا ويل وحدة يلقى معها غصن واحد ممنوع .. إن قوانين القبيلة تمنع منعاً باتاً قطع الشجر الأخضر وتعزر عليه .. ينصرف الحامي وفي نفسه أن كل واحدة منهن هي أخته أو ابنته .. (رحم الله زمن العفاف ) .. بدأت الفتيات مرحلة شاقة جديدة .. وهي طلوع جبل الطرفين .. وتنشد إحداهن بصوت يخرج من أعماق الفؤاد وبزفرات متتابعة .. تنبئ عما في قلبها من تعب ومرارة .. متى تفيق وترضى يا ملاسي متى متى بعد ينتهي ذا الهم ومتى نطيب الآن تتنفس الفتيات الصعداء .. لقد أقبلن على القرية وها هن قريباتهن في الانتظار ليقمن بايصال الحطب إلى الدار .. وفي طرف المسراب قالت هيله بنصرح بكرة نصرم بقاع اوداف ودكنه تصرحن معنا . حسناء .. استوت . ورددت منيرة . بعد علينا سرحة ويومي وبعد ها يا هيل طاب النومي