تقوم الدول بتأسيس البنية التحتية لقطاعات مهمة وجوهرية تعد من مكونات الدولة. والنقل بفروعه الرئيسية البري والبحري والجوي يعد من تلك المكونات التي لا غنى عنها لأي دولة، ولهذا نجد كل الدول تشترك في كيفية التعامل معها حسب الإمكانات وحسب درجة النمو الاقتصادي والاجتماعي وحجم المساحة الجغرافية والاستراتيجية العامة. ولأن مرافق الدول مثل الكيانات الأخرى تبدأ صغيرة وتكبر وتتطور مع الزمن فإن قطاعاتها الرئيسية تخضع لنواميس النمو والتطور وتتأثر بالعوامل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية. والانتقال من مسؤولية القطاع العام إلى ميدان القطاع الخاص يحكمه عاملان مهمان الأول: نضوج القطاع إلى درجة يصبح بالإمكان استقلاله عن دعم الدولة ومن ثم يكون في مأمن من التقلبات التي تخل وتوثر فيما يقدمه من خدمات أساسية، بصفته رافداً اقتصادياً واجتماعياً في حياة الدولة بصفة عامة. والعامل الآخر: القيود التي يفرضها الارتباط بالبيروقراطية التي تشكل عوائق تحول دون مجاراته لعوامل السوق السريعة التي تحتاج إلى تجاوب مرن وسريع حتى لا تفوت الفرص الاستثمارية أو يتأخر التطوير المطلوب حسب مقتضيات الصناعة. وفي كلتا الحالتين الذي يحدد نسبة النجاح، أو الإخفاق، العامل الإداري ومقدرته على ابتكار الحلول والتصدي للأزمات قبل حصولها. ومعظم الدول تلجأ إلى خصخصة قطاع النقل الجوي من أجل التخلص من أعباء الدعم المادي الذي يثقل كاهل الموازنة العامة دون تحسن في الأداء، وبرنامج الخصخصة أصبح من مقتضيات التطور الذي حصل على كل المستويات حيث لم تعد الاعتمادية على ناقلة وطنية واحدة تملكها الدولة كما كانت في الماضي بعد توافر الطائرات الخاصة لخدمة رجال الأعمال وكبار الشخصيات ومع توفر قسم خاص بكبار المسؤولين في الدولة. كل هذه العوامل تفسح المجال لخصخصة الناقلة الوطنية ودفعها للتعامل مع معطيات السوق والمنافسة على أداء الخدمات مع غيرها لمصلحة المستهلك بدلا من الوضع الراهن الذي لا يرتقي إلى المأمول والمتضرر الأكثر المستهلك والاقتصاد بصفة عامة حيث إن وجود النقل الجوي له دور أساسي في اقتصاد الوطن وعليه أن يقوم به كما يجب. ولكي ينجح برنامج الخصخصة يجب التأكد من أن العناصر التي تشارك في الإعداد له من داخل المؤسسة مقتنعة بجدواه... وأن تستوفى جميع الشروط المطلوبة مثل إيجاد إطار تنظيمي وقانوني يحمي ملكية الدولة التي استثمرت بسخاء في البنية التحتية للناقلة وكذلك حقوق المساهمين أو المالكين الجدد. يضاف إلى ذلك مراعاة العامل الإنساني لموظفي المؤسسة كافة من طيارين وفنيين وإداريين من خلال ضمان حقوقهم والامتيازات التي يضمنها لهم نظام المؤسسة. وأختم بالقول إن المعضلات الإدارية التي أدت إلى تدني خدمات المؤسسات العامة، مصدرها الرئيسي ضعف الإدارات التنفيذية، خاصة في حقل تتحكم فيه عوامل السلامة والأمن والمتغيرات التقنية. كل هذه الأمور تتطلب إدارة متمكنة تملك خبرات في الميدان نفسه ولديها قدرات إدارية تمكنها من إيجاد حلول عملية لمواجهة التحديات التي تفرضها تقلبات الأسواق العالمية في الوقت المناسب. يضاف إلى ذلك أن الخصخصة وحدها قد لا تكفي، ما لم يوجد نموذج إداري فاعل، يستقطب عناصر فنية متخصصة في شتى المجالات، ويستفيد من التجارب التي مرت بها الناقلات العالمية في أوروبا وكندا والولايات المتحدة ... بعد أن تخلت تلك الدول عن ملكية الناقلات... ويكون هم الإدارة الرئيسي تحسين خدمات النقل الجوي في المملكة مع المحافظة على الالتزام بمعايير الأمن والسلامة وفق المواصفات الدولية... والله من وراء القصد.