تعيش الخطوط السعودية أزمة إعلامية غير مسبوقة كان يجب على جهازها الإداري احتواؤها بالإيضاح والتصحيح، وعدم الوقوع في فخ مناوأة السلطة الرابعة. ما حصل على إثر التقرير المرفوع لمجلس الشورى وقصة «النثريات» بدلًا من «المصروفات»، أو تعبير آخر أقرب إلى الدقة فتح الباب لنبش جروح عميقة في مواقع أخرى، وخصام متراكم بين الناقل الوطني والمستهلك- الذي هو هنا عامة الشعب لعدم وجود بديل آخر يلجأ إليه- ستستمر من وجهة نظري حتى تُصحِّح المؤسسة مواطن قصورها. يضاف إلى ذلك خروج بعض الموظفين من داخل المؤسسة والظهور على القنوات الفضائية، والكتابة في شبكة الإنترنت وبث شكواهم الممزوجة بالصح والخطأ دون مراعاة لما يترتب على ما يصدر منهم من آثار سلبية على مؤسسة وطنية -احتضنتهم لفترة طويلة وما زالت تدفع رواتبهم- تعمل في الداخل والخارج في جو تحكمه المنافسة، والسمعة، ولا أحد يعلم هل استهلكوا كل السبل المتاحة حسب نظام المؤسسة لتصحيح أوضاعهم قبل أن تصل إلى الإعلام بالطريقة المكشوفة التي تفجرت في الأيام الأخيرة وأصبحت أزمة حقيقية بين الإعلام والمؤسسة، تلحق أضرارًا جسيمة بمؤسسة وطنية من واجب الجميع توخي الدقة في التعامل معها. وبحكم معرفتي عن قرب بصناعة النقل الجوي ومحركاتها لا بد أن أقول بأنني لا أدافع عن الخطأ والإخفاق الإداري في مرافق الصناعة بصفة عامة ولكنني انظر إلى ما حصل كخبير في هذه الصناعة يعلم أن الأخطاء تحصل ويجب كشفها سواء عن طريق الإعلام أو غيره، ومن واجب الصحف نشر ما تحصل عليه من معلومات، للحد من التمادي في الأخطاء، وللتصحيح والإصلاح أيضا، والكل مسؤول عما يصدر منه. وعندما يكون الموضوع حساسًا ويمس مصلحة وطنية ينبغي الحذر وتوخي الدقة لأن نجاح الناقلات الجوية في سوق عالمي، يعتمد إلى حد كبير على سمعتها. كما أن على المؤسسة توفير المعلومات بكل شفافية لإبعاد الشكوك والحد من الأضرار التي تلحق بها من جراء بعض الأخطاء، التي بالإمكان حصولها في أي شركة أو مؤسسة كبرى مثل الخطوط السعودية. وفي الوقت الذي يجب أن نقبل أن لدينا أزمة في قطاع النقل الجوي، علينا أيضًا أن ندرك أن تصحيح الأخطاء لا يتم بين يوم وليلة، وأن الضغط المتلاحق بطرق عشوائية يختلط فيها الخطأ بالصواب، يزيد من حدة الأزمة، وفي اعتقادي أن الجهات المعنية تدرك ذلك وسوف تقوم بما يجب لتصحيح الأوضاع. والأزمة التي يعيشها قطاع النقل في المملكة بدأت عندما تم -في سنوات مضت- اختيار قيادات تنفيذية بعيدة عن التخصص من خارج القطاع بدون مراعاة تأثير ذلك في البيئة الإدارية الداخلية للقطاع وعلى أداء العاملين فيه، ومحاولة نقل تجارب بعيدة عن الحقل بدون التأكد من جدواها في مجال صناعة النقل الجوي الذي تشتبك فيه المصالح الاقتصادية بالعوامل السياسية والمصالح العليا لكل دولة ولا يصح أن يكون حقل تجارب للهواة من خارج الحقل. وقد زاد من حدة الأزمة برنامج الخصخصة الذي ركز على ثلاثة مواقع حساسة في المؤسسة: (التموين، والشحن، والخدمات الأرضية) مع أن هذه الخدمات مربحة وكان بالإمكان التريث في تخصيصها، حتى يكون وضع الأقسام الأخرى في حالة أفضل. وكذلك الشيك الذهبي الذي فقدت الخطوط بموجبه عناصر قيادية بدون حل مشكلة التضخم في أعداد العمالة غير المنتجة لديها. ومن جانب الطيران المدني كان إدخال ناقلتين جدد (سما، وناس) بدون دراسة علمية -ومن ثم انسحابها من السوق بسرعة- من الآثار السلبية التي سببت خللًا في السوق المحلية، وحملت الخطوط السعودية أعباءها. هل في هذا الطرح دفاع عن الأخطاء الإدارية التي تسببت في تدني خدمات النقل الجوي في المملكة؟.. حتما لا. وهل في هذا مطلب لحماية الناقلة الوطنية من الانهيار؟ الجواب.. نعم، وبدون تردد لمعرفتي التامة بالعوامل التي تحرك الصناعة، ومدى تأثير النقد الذي لا يستند إلى معلومات دقيقة في خدمات النقل الجوي، ولأن الخطوط السعودية كانت ويجب أن تظل واجهة حضارية تحمل علم التوحيد وتشارك بكل فعالية في التنمية الوطنية. أقول هذا وانا واثق بأن المصلحة الوطنية يجب عدم المساس بها بالشكل الذي حصل في قصة اللحوم، والنثريات، وغيرها من الأمور التي يجب أن يخضع المتسبب في ذلك لمحاسبة دقيقة في أسرع وقت، وبدون تأخير. كما يجب على إدارة المؤسسة تجنب فتح جبهات هي في غنى عنها، لأنها بأمس الحاجة إلى الدعم والتعاون مع وسائل الإعلام.. والله من وراء القصد. [email protected]