مايزال بعض الموظفين والمسؤولين يخلطون بين ما يسمى في زماننا هذا (المحسوبية) وبين الشفاعة الحسنة، ومشكلة هذا الخلط بين الأشياء المتقاربة في شكلها المتباعدة في مضمونها، مشكلة كبيرة، يحدث منها ضرر كبير على الناس، وينشأ منها خلل في فهم الأمور على حقائقها. شكا إليَّ صاحبي من رد مسؤول في دائرة حكومية شفاعته في موضوع شخصٍ متضرر في عمله بسبب بعض المنافسات التي جنحت إلى التعصب للنفس، والحرص على تحقيق مصلحة عاجلة شخصية على حساب مصلحة هذا الموظف المتضرر. لقد رد ذلك المسؤول هذه الشفاعة دون أن يعرف فحواها محتجاً بأنه يرفض أن تؤثر (المحسوبيات) في سير العمل عنده مهما كانت مكانة الشخص الذي (يتوسط) عنده، ويؤكد صاحبي أنه قد بذل كل ما استطاع من جهد لإقناع ذلك المسؤول بالاستماع إلى حقيقة الأمر، ثم يقرر بعد ذلك ما يشاء، ولكنه أبى ولهذا الموضوع جوانب متعددة.. أولها جانب الشفاعة الحسنة التي يتم بها بيان الحق لمسؤول أوجهة في أمر من الأمور سعياً إلى رفع ظلم، أو إعطاء حق تأخر عن صاحبه، أو ضاع في سراديب فوضوية العمل، أو تهاون الموظف، أو قصد الإساءة ومنع الحق من بعض ضعاف النفوس، وغير ذلك من الأهداف التي تهدف إليها الشفاعة الحسنة، وهذا جانب محمود، ومطلوب شرعاً وعرفاً وعقلاً، ومن حق صاحب الشفاعة الحسنة على المسؤول أن يستمع إليه، ويمد يد العون له، ويعمل على تطبيق ما فيه المصلحة التي أبرزتها الشفاعة الحسنة، مع إزجاء الشكر لهذا الشافع الذي دل المسؤول على الصواب. وفي هذه الشفاعة الحسنة من مساعدة الناس في إطار النظام، ودون الإساءة إلى أحدٍ بتأخير حقه أو سلبه وحجبه عنه، ما يجعلها من الأعمال الجليلة المقدرة عند الله سبحانه وتعالى ثم عند الناس إذا كان القصد الحسن وراءها. أما ما يُسمى (المحسوبية) فإن لها مدلولاً آخر عند الناس يغلب عليه جانب مجاملة شخص على حساب آخر مجاملة قد تعطي حقا لغير صاحبه، أو تضر بنظام معمول به، أو تعطل مصلحة من المصالح العامة أو الخاصة، وهذه المحسوبية من الأمراض التي يجب على العقلاء أن يكافحوها إذا وقعت، وأن يحرصوا على الوقاية منها قبل وقوعها، وهي مدعاة للظلم وهدر الحقوق، وإثارة الأحقاد بين الناس، وإقلاق نفوس الموظفين الذين يقومون بأعمالهم خير قيام، ثم يرون المحسوبية تقدم عليهم غيرهم فيشعرون بخيبة الأمل، وبالإحباط مما يدعوهم إلى التراجع في الأداء، وفقدان الحماسة الحقيقية التي تجعلهم موظفين إيجابيين متميزين. والشفاعة -في الأصل- منها ما هو حسن، ومنها ما هو سيئ، فالعرب تقول: شفع لي بالعداوة، أي: أعانَ عليَّ، كما تقول شفع لي بالمودة أي: أعانني، وفي القرآن الكريم: ?مَّن يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُن لَّهُ نَصِيبٌ مِّنْهَا وَمَن يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَّهُ كِفْلٌ مِّنْهَا?. والشفاعة: كلام الشفيع لملك أو أمير أو مسؤول في حاجة يسألها لغيره، والشافع الطالب لغيره أمراً، وقد جرت العادة عند أهل الخير والكرم والشهامة أن يحترموا شفاعة الشافع بخير مهما كانت مكانته ومنزلته. إنها دعوة إلى أن تكون الشفاعة الحسنة مقدرة محترمة لأنها تدل على ما قد يغفل عنه المسؤول، وما قد يفوت على الموظف، وتكشف الخلل والتقصير والإهمال إن كانت موجودة، والشفاعة الحسنة لا تضر عملاً، ولا تسيء إلى أحد، بل قد تكون من أسباب الخير والبركة للإنسان شافعاً، ومشفوعاً له، وقابلاً للشفاعة. إشارة: أغلى الهدايا للشعوب حماية=