المملكة لا تستنفر طاقاتها سنوياً فقط لخدمة ضيوف الرحمن، وإنما هي مستنفرة على مدار الساعة لهذا الهدف النبيل، فما إن ينتهي موسم الحج حتى تبدأ الاستعدادات المكثفة لموسم الحج المقبل، والاستعدادات تشمل مراجعة وتطوير الأداء، وإضافة المزيد من المشاريع الهادفة إلى راحة الحجيج، وليس جديداً القول إن المملكة تنفق عشرات المليارات في هذا المضمار الذي حققت فيه نجاحات مشهودة، بل وأصبحت كفاءتها في خدمة وإدارة الحشود البشرية محل إعجاب وتقدير العالم كله، وموضع خبرة يستفيد منها الآخرون. كل هذا معروف ومشهود، ولكن أمام كل هذه الجهود مشكلتين أساسيتين إحداهما مرتبطة بالأخرى. الأولى: محدودية المكان الذي تتم فيه مناسك الحج من الناحية الشرعية، إذ لا يمكن توسيعه أو الخروج عنه، والثانية: تزايد أعداد الحجيج سنوياً. وقد تمت معالجة هذه المشكلة في السابق بتحديد نسبة عدد الحجاج من الدول الإسلامية، وضبط عدم تكرار الحج من الداخل إلا بعد خمس سنوات، ولكن هذا التحديد والضبط لم تتم إعادة النظر فيه منذ أن تم وضعه قبل نحو عقدين من الزمن تقريباً، بينما حدثت زيادات مذهلة في أعداد السكان تستدعي مثل هذا الأمر، فالنسبة التي كان مسموحاً بها قبل 20 سنة مثلاً، بلغت قريباً من الضعف الآن، وأعداد المقيمين والسعوديين الراغبين في الحج ممن ينطبق عليهم الشرط قد تكون تجاوزت الضعف، الأمر الذي يستدعي إعادة النظر في النسبة لحجاج الخارج، وإعادة النظر في شروط الحج ووضع ضوابط جديدة لحجاج الداخل. إن المأمول من ندوة الحج الكبرى التي انطلقت أمس لتدارس مفهوم وأبعاد السلامة في الحج، أن تتخذ توصية مهمة في هذا الجانب العددي والاستيعابي الذي يعد من أهم ركائز سلامة وراحة الحجيج، هذا إلى جانب الإلحاح على شروط الاستطاعة المادية والجسدية وتوضيحها والإلزام بها، فالحج لمن استطاع إليه سبيلاً، وأعتقد أن الاستطاعة تشمل استيعاب المكان وقدرة الحاج.