الحكاية تبدأ حين ينقطع اتصالك بالعالم الخارجي (الشبكة العنكبوتية).. بعد طول مراس مع الوصل والفصل، تكتشف بداهة أن المشكلة تتعلّق بالهاتف، وليس بالبطاقة أو التوصيلات وما شابه.. يُقال إن خط هاتفك الثابت مشغول على الدوام، ولا تصدّق ذلك لأنك تجري اتصالاتك عبره دون مشاكل، لكنك تصدّق فيما بعد حين تتصل من هاتفك الجوال على الثابت فتجده مشغولاً.. تغلق هاتفك الجوال، وترفع سماعة الثابت، وتتصل بجوالك لتفاجأ بالمعضلة التي لم تخطر على بالك: الرقم الذي يظهر على جوالك ليس رقمك! (أنت أصبحت غيرك)!! تُصدم قليلاً، ثم تكتشف بالتدريج أن رقم سواك حل محل رقمك، ورقمك ذهب إلى شخص آخر. تكتشف -حين توغل في التفاصيل أكثر فأكثر- أن الحفريات التي كانت تحيط بمنزلك خلال الأسابيع الماضية، وتزعجك حين كانت تنزف ترابًا، وتتسبب في كثير من التعطيل، وشح المواقف، ستصبح مشكلة أكبر حين تضمد الشوارع جراحها، وتطوي أسرارها من أسلاك وأرقام، بالزفت الأسود. وفي التفاصيل -أيضًا- تكتشف أن أحد العمال استبدل رقمًا برقم، وحياة بحياة، لمجرد أن الأسلاك تشبه بعضها بعضًا.. وفي تفاصيل التفاصيل تعرف أن حوالى العشرة في المئة من الأرقام تذهب لغير أصحابها في مثل هذه العمليات التوسعية (الإمبريالية) التي تقوم بها شركة الاتصالات.. لا تستطيع حينها أن “تجهل فوق جهل الجاهلين” فتشتم أو تتبرم؛ لأن من تنازعه هو “الخصم والحكم”.. ليس أمامك سوى الاستسلام للقضاء والقدر، وانتظار ال(48) ساعة المقبلة، إن صحت تطمينات المأمور (مأمور السنترال بالطبع). الحكاية أنك مجرد رقم: في السجل المدني، في الوظيفة، في طابور البنك، في الهاتف، وفي تذكرة السفر.. والحكاية الأصعب أنك من الأرقام السهلة التي لا تعني أحدًا سواك. لو كنت رقمًا صعبًا لما بحثت عن موقف لسيارتك، أو تصحيح لدرجتك الوظيفية، أو منزل لا تدفع إيجاره مع نهاية كل نصف سنة.. لو كنت رقمًا صعبًا، لفتح رقمك كل الأرقام، ولبحثتْ عنك الطرق، وجاءتك (الأماكن)، والبيوت، والأشعار، والمديح، وتناقل الرواة سيرتك، واحتفوا بتفاصيلها، لكنك لست سوى رقم سهل في حياة صعبة.. رقم لا يعني أحدًا سوى بضعة أرقام أخرى من خانتك: خانة الآحاد!!