عشنا مع الوطن اعياداً وطنية عديدة، نستشعر فيها تاريخاً بناه الاجداد ، وحافظ عليه الابناء ، ونقلب فيها صفحات التاريخ ، لنتحسس موقعنا المعاصر على خريطة الإنجاز، لكن عيد الوطن هذا العام قد اتى ذا نكهة خاصة ، وبمشاعر استثنائية ، فكان ثالوث خير وبركة ، امتزجت فيه ثلاثة اعياد مباركة ، لترسم لوحة من المشاعرالوطنية الجياشة ، استمتع بقراءتها المواطن والمقيم ، استهلها عيد الفطر المبارك الذي خصه الله فرحة للصائم ، يتذوق فيها انجازه خلال الشهر الكريم ، وعيد الوطن الذي نتذوق فيه انجازاتنا التنموية ، التي كانت معجزة القرن فوق رمال الصحراء القاحلة ، وثالث تلك الاعياد انطلاقة منارة الحكمة والتسامح ، اكبر مشروع علمي حضاري في الشرق الاوسط والعالم العربي بأسره ، على ضفاف البحر الاحمر، بين اقدس مدينتين على تراب الوطن الطاهر ، هذا المشروع الذي كان محور احلام خادم الحرمين الشريفين منذ ربع قرن ، هاهو اليوم يتحقق على ارض الواقع ، ليمتزج بتراب الوطن ، وعرق أبنائه ، الذين صنعوا هذا البناء الشامخ على ارض قاحلة غير ذي زرع ، ليينع ثماراً تؤتي اكلها كل حين بإذن الله ، للاجيال المعاصرة والقادمة ، وتطرز تاريخ السلف التليد ، بحاضر امة مجيد ، اليوم يسمق رأس المواطن السعودي ، ليلاحق ببصره خفقات الراية السعودية في سماء مجد العلم والمعرفة ، متطلعا الى ابواب العالم الاول الذي سنلجه في يوم من الايام لا محالة ، فعندما يكون الوطن في قلب المواطن ، فإن ذلك هو الزاد وراحلة المسيرالى قمم المعالي وذرى المجد ، لقد كان ذلك حاضرا في قلب عبد الله بن عبد العزيز حفظه الله عندما كانت تراوده احلام المواطن ، في بناء صرح علمي شامخ شموخ الراية السعودية ، يفد اليه طلاب العلم والمعرفة من كل فج عميق ، فلم يكن تحقيق ذلك الحلم بمنأى عن الواقع ، فعزيمة الرجال وهمم الابطال ، تشد الازر والحال ، وتغني عن مؤنة السؤال ، وتبدد التشاؤم والانكفاء ، ان هذه المنارة العلمية الحضارية التي انطلق نورها ليعم ارجاء البلاد ، بحضور عدد من ملوك ورؤساء الدول والحكومات ، يجسد اهمية هذا البناء التنموي ، الذي ارتفع سامقا في سماء النهضة السعودية الشاملة ، فلم تكن وسائل الدول المتقدمة في وصولها الى ما وصلت اليه ، سوى مثل هذه المنارات العلمية والبحثية الحديثة ، التي لاشك انها كانت كشاف الطريق الى مواقع الريادة التي يتمتعون بها اليوم ، اننا نعلق آمالاً عريضةً بعرض الوطن ، على هذا الصرح في قيادة العمل العلمي والبحثي والتقني في بلادنا بل وفي المنطقة العربية قاطبة ، الى مواقع متقدمة من الريادة والانجاز، فلم يعد عن اليقين ببعيد ، اهمية البحث العلمي في قيادة الدول والمجتمعات الاقليمية المعاصرة ، الى الحظيرة الكونية الاولى ، فمجتمعات العالم الاول هي بالدرجة الاولى مجتمعات صناعية وزراعية ، ولا تقوم أي صناعة او زراعة حديثة ، الا على اسس علمية ونتائج بحثية متقدمة ، من شأنها تطوير ماهو قائم ، الى ماهو منشود ، ولقد سعدت كثيراً عندما تم الافصاح عن اهتمامات هذه الجامعة ، التي حملت اسم خادم الحرمين الشريفين وخططها البحثية ، وازدوجت سعادتي عندما علمت ان بحوث زراعة القمح بالمياه المالحة ، من اوائل المشاريع البحثية في هذه الجامعة الوليدة ، وشعرت كما يشعر أي مواطن أننا قد وضعنا آمالنا وآحلامنا في أياد أمينة، وتعمق إيماننا ان العلم والبحث هما سيدا الموقف التنموي .