يلتبس عند الكثير مفهوم الوطنية الخالصة، ويظل الخلط قائما بين الوطن كتراب ووجود وانتماء وبين المصالح النفعية والمفاهيم الأيديولوجية المترسبة في ذوات البعض. ولست هنا بمقام المنظر الذي يبدأ بالوعظ وينتهي بالشتيمة، ولكن سأطرح وجهة نظري الخاصة، التي أرى فيها أن الوطن لا يمكن اختزاله في جملة أو مقالة أو قصيدة أو أغنية.. هو أكبر هو أعظم هو أشمل.. «الوطن ما هو قصيدة تنكتب في وسط دفتر،، الوطن يا وليدي أكبر» هكذا اختصر الوطن الشاعر مسفر الدوسري. الوطن هو شاعر يدوزن قصيدته على غنائه الفطري المشدودة بأوتار الأرض ورائحة الطين! الوطن هو الذات المنصهرة في أرواحنا والمغموسة في دمائنا النقية. الوطن ليس التشدق بعبارات استهلاكية وشعارات إعلامية تذهب أدراج الرياح بعدما تنهي المناسبة أو المهرجان أو الاحتفالية! بل وجود يتنامى في أنفاسنا اليومية وتفاصيل فضاءاتنا الحياتية. الوطن ليس توجها أمميا غائما ولا خطابا وعظيا وتشنجا كلاميا، بل بقعة جغرافية مؤطرة بحدود الحب، ومطوقة بقلوب بيضاء تحفها السكينة وتغشاها الطمأنينة وتسكنها الغبطة. الوطن هو مزيج من الشعوب والقبائل والأعراق يؤلف بين قلوبهم حب الأرض التي تحتضنهم بغض النظر عن أشكالهم وأنسابهم وأحسابهم. الوطن لن يقبل أن يختطف من قبل عصبة الرأي الأوحد أو زمرة من المتطرفين فكرا وشكلا.. بل هو الحضن الدافئ لكل الأطياف الفكرية والمذاهب الدينية والتعددية الاجتماعية المتنوعة التي تثري الحياة الاجتماعية والتي تفضي بدورها لتكوين مؤسسات المجتمع المدني. الوطن هو المشاركة الجماعية في البناء والنماء وغرس القيم النبيلة واحترام الإنسان بما يحفظ كرامته وحريته وأن يكون الحب في الوطن والبغض فيه. ولأن «وطني ليس حقيبة.. وأنا لست مسافر» كما يصفه شاعر القضية الكبرى محمود درويش، فإن من يخون وطنه كالذي يسرق من مال أبيه ويعطيه إلى اللصوص فلا أبوه يسامحه ولا اللصوص يكافئونه.. ويكفي!