في حادثة تحدثت عنها الصحف لأول مرة بالرغم من تأكيد الكثيرين على تكررها، ذُكر أن قاضياً ما في منطقة ما أمر بسجن أحد موظفي المحكمة كونه أساء الأدب باقتحامه مكتب فضيلة القاضي دون استئذان تفرضه واجبات التوقير وأبجديات الاحترام لفضيلته. وهنا يبرز السؤال التالي: ماذا لو أن قاضياً ومواطناً تنازعا على أرض أو اختلفا حول قضية تستوجب الفصل بينهما قضائياً ؟ هل يمارس القاضي هنا سلطاته الرسمية التي تخوله حق البت في الأمر فوراً، واستصدار قرار تنفيذي ملزم سيكون في صالحه حتماً؟! لا أحسب الجواب إلا بالنفي، فالقاضي هنا خصم ولا يجوز شرعاً ولا عقلاً أن يكون حكماً، بل المفترض أن يعرض أمرهما على قاضٍ محايد ينظر في شكوى كل منهما بكل نزاهة وتجرد. والشيء نفسه ينطبق على الموظف الذي أمر القاضي بسجنه تأديباً له وردعاً لأمثاله، فالموظف نفسه ينكر صدور أي سلوك منه يستوجب غضب القاضي ناهيك عن سجنه. هنا كلمة القاضي أمام كلمة المواطن سواءً كان موظفاً أو مراجعاً يبحث عن حق. وفي حادثة أعلم عنها صادر أحد القضاة جهاز جوال لزميل كريم يعمل أستاذاً أكاديمياً في الجامعة، ولم يُعد له جهازه حتى اليوم. وهو إجراء اتخذه القاضي نكاية في الدكتور بدعوى أنه تهجم على فضيلته أو قال ما لا يجوز قوله في حضرته. هذه حتماً إشكالية لا بد من معالجتها بآليات نظامية تحفظ حق القاضي كما تحفظ حق المواطن عند نفيه التهمة التي رماه بها القاضي، فالقاضي في نهاية المطاف بشر يعتريه ما يعتري الآخرين من غضب ونكد وحزن وتقلب في المشاعر قد يؤثر على أحكامه. ليس من حق القاضي سجن أي مواطن أو طرده من مجلسه دون حق، فهو في الأصل موظف مكلف بالفصل بين الناس بالعدل لا بالانتقام منهم سجناً أو طرداً أو رفعاً بالصوت. لكن من حقه بالتأكيد مقاضاة أي مواطن إذا رأى منه سوءاً (من وجهة نظره) ليبت القضاء المحايد في الأمر كيفما شاء. والله من وراء القصد.