الحديث عما تحقق من إنجازات يفسد الكثير منها ويجعلها أقل بكثير مما هي عليه في عالم الواقع، ذلك أن أفضل من يتحدث عن الإنجازات هو ما يراه الناس منها، وما يحققونه من منافع وفوائد من ورائها. ذلك هو لسانها الناطق الذي يصغي إليه المنصفون ويتأمل فيه أصحاب النظر السويّ، وفي حديثها الصامت العميق لغة يدركها الذين يعرفون المعاناة والجهد والمشقة التي يبذلها العاملون، لكنهم في الوقت نفسه يجدون المتعة والنشوة الغامرة حين يرونها تتحدث نيابة عنهم في تحقيق أهدافها. الإنجاز وراؤه فريق والفريق وراؤه قيادة تمنحه من إلهامها وإبداعها وحماسها ما يجعل كل عضو في الفريق يحس بقيمته وأهميته، بل وامتلاكه حصة كبيرة من المشروع بحجم ما يملأ نفسه من طموحات وما يسهم به من جهد. من هنا يغدو حديث أحد من الناس بذاته عن الإنجاز المتحقق، سرقة لنصيب كل عضو في فريق العمل، ومصادرة لما كان يملأ نفوسهم من طموحات وما ينير أذهانهم من إشراقات، فيخمد تلك الطموحات ويطفئ تلك الإشراقات، وربما لا يجد ذات يوم إلا صدى صوته وحيداً يتحدث عن إنجازات كانت في زمن قديم جداً. دع الإنجازات تتحدث عن نفسها لأنها تملك كل المقومات البلاغية والبيانية ولا تحتاج إلى أحد غيرها أبداً . حين يكون الحديث عن المشكلات، فإن في ذلك بداية الطريق لتحقيق حلول قد تثمر في أكثر الأحيان إنجازات، ومن المشاهد في عالم الواقع أن الكثيرين يتسابقون ويتدافعون إلى اقتطاف ثمار الإنجاز، ولكنهم يحجمون عن الحديث عن المشكلات التي لا تفضح عن نفسها غالباً، لأنها لا تجد إلا نادراً من يتبناها ليحولها إلى مشاريع ناجحة وإنجازات ينعم بها الناس. لتكن أول الباحثين عن المشكلات كي تجد من يستثمرها في تحقيق حلول لن تتحقق إلا باكتشاف مسبباتها.