يوم الأربعاء الماضي كتبت هنا مقالا بعنوان (التزوير والمظاهرات عرض لمرض: خرافة الفقيه أم الأزمات). وعلى إثره تلقيت اتصالات وإيميلات عديدة من الأشقاء الشيعة وبعضهم أصدقائي، عاتبين على ما فهموه ولم أقصده أنه سخرية من عقيدة مذهبهم في (الإمام الغائب)، والحقيقة أنني لم أسخر منها، وما بدا أنه سخرية كان من (ولاية الفقيه) التي استغلت العقيدة للوصول إلى السلطة فتسلطت بها على رقاب الناس وعقولهم، أما العقيدة ذاتها وأهلها فالجميع في موضع الاحترام والتقدير، والحديث أو البحث في العقائد له فقهاؤه وأساطينه، وهذا ليس من اختصاصي ولا اهتمامي، وديننا الإسلامي العظيم الذي هو القاسم المشترك الأعظم لجميع المسلمين بمختلف مذاهبهم يحثنا على احترام كل المذاهب وكل الأديان وكل الناس، وينبذ كل متطاول ومتطرف وسفيه أيا كان انتماؤه المذهبي أو الديني أو القومي. وأعتقد أن كل عاقل لا يقبل ما يفعله ويقوله السفهاء من المتطرفين في أي مذهب أو دين أو قومية من تطاول أو شتم أو نحو ذلك لغيرهم تحت أي مبرر، وبعد هذا الإيضاح الذي أرجو أن يكون كافياً ومانعاً لأي تأويل، أقول، أما \"ولاية الفقيه\" التي استغلت الدين لأغراض سياسية ووظفت العقيدة للتسلط على عقول الناس وحياتهم، فإنني كنت وما زلت أعتقد أنها \"خرافة\" وهي من وجهة نظري ستسقط بنفس الأداة التي نصبتها وهذه الأداة كما معروف هي (الجماهير) التي دخلت إلى وجدانها من باب العقيدة وضللتها بشعارات براقة، ولذلك فإن هذه الخرافة ستسقط عاجلاً أم آجلاً مثلها مثل غيرها من الشعارات الخرافية التي تسلطت على رقاب الخلق باسم الدين أو الثورة وما يلازمها عادة من وعود المن والسلوى، وهي شعارات بعضها سقط وبعضها في طريقه إلى السقوط مهما طال أمد خداعها وتضليلها للناس الذين تتحكم فيهم وتتسلط عليهم، ونماذج هذا الاستغلال السياسي معروفة. فقد سقطت الشيوعية في الاتحاد السوفيتي على يدي أهلها وسقطت قبلها الكنيسة في أوروبا القرون الوسطى على يدي أهلها أيضاً، وتبعاً لهذا الاستغلال السياسي للعقيدة ستسقط لا محالة عاجلاً أم آجلاً ولايات (المرشد العام للإخوان المسلمين، وأمين عام حزب الله، ورئيس المكتب السياسي لحماس، وقائد تنظيم القاعدة وغيرهم من ولايات وقيادات المنظمات والأحزاب المشابهة وخلاياها المستترة والمعلنة، والنائمة والمستيقظة)، مثلما سقطت ولاية \"الملا عمر\" ومعها طالبان ومثلما سقطت قبلها القومية بكل شعاراتها البراقة، لأنها ولايات قامت وتقوم على شعارات تستغل الدين أو المبادئ والقضايا العامة أو المواجع البشرية لتتستر بها وتحقق من خلالها أهدافها الحقيقية في التسلط والهيمنة التي عمادها وقوامها طاعة الأتباع العمياء، وسد كل منافذ التفكير والسؤال أمامهم، بدعاوى باطلة لا يقبلها عقل أو يقرها منطق، مثل العصمة أو افتعال أعداء وهميين ومقاومتهم أو حماية الشعار، أو مبادئ الثورة، أو احتكار المعرفة، أو فرض الرأي الأوحد بالقوة، أو وعود الرخاء التي يستأثر بها مزيفو الشعار. إنني أعتقد أن ما يحدث في إيران الآن، أو غداً أو بعد غد أو متى ما شاء الله، ليس ثورة ضد الإسلام، ولا ضد المذهب الشيعي، وإنما ضد خرافة \"ولاية الفقيه\" التي تذرعت وتتذرع بشعارات مزيفة لم تعد مقنعة للإيرانيين بكل طوائفهم، وهي خرافة إن لم يعلن العقل الإيراني موقفه منها اليوم صراحة، فسيعلنها قريباً، وما يحدث الآن من مظاهرات وتمرد (تشبه تلك الثورة التي جاءت بالخميني) بسبب حقائق أو ادعاءات تزوير الانتخابات ليست سوى إرهاصات لما أتحدث عنه من استيقاظ العقل وسقوط الشعار، والتطلع الحقيقي إلى الحياة الكريمة والعيش الآمن دون قمع أو حرمان، والشعاراتيون العرب ذوو الأهداف السياسية السلطوية المستترة أياً كانت انتماءاتهم هم خير من يعرف هذه الحقيقة الساطعة لمصائر الشعارات المزيفة، ولذلك تراهم الآن عبر الصحف والقنوات العربية أرفع صوتاً من مرشد الثورة الإيرانية نفسه في توجيه التهم للإصلاحيين الإيرانيين وجماهيرهم بأنهم مجرد أدوات في يد العدو الخارجي للنظام، (لكم أن تتصوروا فداحة اتهام ملايين المواطنين وليسوا عشرات أو مئات أو آلاف أنهم مجرد أدوات يحركهم عدو خارجي وليس تطلعا لإصلاح مصدره الداخل) وإذا كان خامنئي وبعض مناصريه يوجهون الاتهام للغرب فقط، فإن الشعاراتيين العرب والمخدوعين بهم يعممون التهمة على العرب والغرب والشرق، ليس لأنهم يملكون معلومات لا يعرفها الإيرانيون ولكن لأنهم يدركون إدراكاً عميقاً أن سقوط وهم الشعار في إيران، سيأتي على بقية أحلامهم التي سقط أولها مع سقوط القومية وأوسطها مع سقوط الشيوعية ثم جاء سقوط طالبان مقدمة لسقوط آخرها. وما زال (قبر الشعارات) مفتوحاً فاعتبروا يا أولي الألباب.