قبل أيام قليلة أعلنت المفوضية الأوروبية فرض غرامة غير مسبوقة في التاريخ قدرها 1,06 مليار يورو (1450 مليون دولار أمريكي) على شركة إنتل لصناعة الرقائق الإلكترونية، وأمرتها بوقف التخفيضات غير المشروعة، والممارسات الأخرى الموجهة ضد منافستها التقليدية شركة إيه. إم. دي AMD وهي أمريكية أيضًا. وقد تضمنت قائمة الغرامات الفادحة السابقة غرامة بمبلغ 896 مليون يورو فرضت العام الماضي على شركة سان جوبان لصناعة الزجاج لتلاعبها بالأسعار، وأقل منها غرامة قدرها قرابة نصف مليار يورو فُرضت على شركة مايكروسوفت لأسباب مماثلة. وتضمنت قائمة الاتهامات لإنتل إغراءها بالمال صانعي أجهزة الكمبيوتر مقابل تأجيل أو إلغاء خطط إطلاق منتجات تستخدم فيها رقائق AMD المنافسة، والاكتفاء باستخدام شرائح إنتل فقط. هذه رسائل قوية وواضحة من المفوضية الأوروبية ضد المؤسسات الاقتصادية التي تحاول قتل روح المنافسة، وبث خطيئة الاحتكار عبر إخراج المنافسين من السوق. الرسالة تقول أن لا كبير في هذا الباب، وأن الكل سواسية معرّضون للعقوبات والغرامات، بل إن الغرامة تزداد طرديًّا مع فداحة الجرم، والجرم الذي تمتد آثاره إلى أرجاء واسعة جدير بغرامات مضاعفة. هذه الجدية في ضبط الأمور، ومحاربة الاحتكار، وقمع التلاعب من تحت الطاولة لجديرة فعلاً بالاحترام. هذا الغرب المسيحي الذي وصفه عمرو بن العاص بأنه (أمنع لظلم الحاكم) من أي شعوب أخرى لا يتوانى أبدًا في التصدّي لكل محاولة لاستغلال النفوذ، أو المال، أو القوة للإضرار بالآخرين. والآخرون هنا ليست الشركة المنافسة فحسب، وإنّما هم طبقًا لحيثيات القرار (الملايين من العملاء الأوروبيين)، فالاحتكار يرفع الأسعار، ويزيد التكلفة على المواطن، ويمهد لسيادة غير شرعية على السوق. إنه المواطن الأوروبي الواقع في بؤرة الاهتمام. وليت لنا نصيب من هذه الإجراءات المشدّدة، والغرامات المغلّظة ضد كل مَن ساهم في رفع الأسعار يومًا عبر أذرعهم الطويلة، وحصانتهم الموهومة، وأخلاقياتهم المتدنية. هل فهمتموني جيدًا يا جماعة.. يا جماعة!!