كأن الرضيعة \"مها السبيعي\" في جدة كانت على موعد مع الرضيعة \"أنجال المطيري\" في الرياض في سيناريو اختطاف كان الأول يجري في التاسعة مساء الثلاثاء والآخر في الثانية من ظهر الأربعاء الماضيين، وما عدا ذلك فالقواسم مشتركة بينهما: طفلة في الأشهر الأولى من عمرها وأسرة غفلت عن رضيعتها، وعاملة منزلية إندونيسية وسيارة ليموزين تجوب الشوارع وتختلف الوجهة، ففي جدة إلى وكر (كما أسمته الشرطة) في حي الكندرة فيه عدد من الإندونيسيات الهاربات، وفي الرياض إلى عمارة سكنية بها مكتب استقدام، وهنا تتوقف البيانات فلا تعطي المزيد عن المكتب وطبيعة لجوئها إليه. حجم التعليقات على الخبرين في الصحافة الورقية والإلكترونية يوضح ما يدور في أذهان القراء من مواقف حول وجود عاملات المنازل ابتداء بإهمال الأسر لأطفالها في تركهم بيد هؤلاء، والمسؤولية المترتبة على تصرفات ومخالفات ليست هاتان العمليتان إلا نموذجين من نماذج شتى لما يقدمن عليه ومن ذلك السحر ومحاولات الانتحار والهروب الذي أصبح السمة الشائعة لكثير منهن خاصة فور وصولهن وبعد إكمالهن الفترة التجريبية وهي الشهور الثلاثة الأولى وبعضهن ممن تم ترحيلهن ولا تدري كيف تمكنت من العودة. هذا الاختطاف أرهق الكثير من الأسر، وإن كان الفرج المتحقق قد خفف من الآلام في الأسرتين ولدى الأسر المتعاطفة، لكن الجرح يبعث على الخوف والقلق، فالمصدر لا يزال قائماً بل ومنتشراً في معظم البيوت، والمشكلة قابلة للانبعاث من جديد طالما كانت هنالك أسر تحتاج إلى رعاية عاملات منزليات، وطالما كانت هناك أوقات يغيب أو يغفل فيها الأهل عن أطفالهم إما إهمالاً أو ثقة مفرطة بغير وجه حق، وطالما كانت هناك شبكات غامضة تبدأ عملها في مطار جاكرتا وتواصل ممارسته في أوكار ومكاتب وشقق منتشرة على طول البلاد وعرضها. ! البعض يتحدث عن مكاتب استقدام تهيئ العاملة للهرب لكن بعد انقضاء فترة التجربة حتى لا يحق لمن استقدمها أن يعود على المكتب بشيء، ثم يتم توظيفها في السوق الحرة التي تدفع أحياناً أكثر من ضعف المبلغ الذي ورد في وثيقة استقدامها، وهناك مرونة في العمل بحيث لا تكون ملزمة بالالتزام بأسرة بعينها فيصبح الأمر في صالح العاملة وصالح المكتب الذي يدير في الغالب شبكة من الهاربات ويقتسم معهن الإيراد، وقد يتساءل البعض إن كانت العاملة في الرياض قد فرت إلى مكتب استقدام فلماذا لم يبلغ عنها فور وصولها وينفض عن نفسه غبار الشبهات ؟! قد تكون \"الوقاية خير من العلاج\" حكمة تدور على ألسنة الكثيرين لكن تطبيقها في كثير من شؤون الحياة أمر غير وارد في سياق الحكمة التي تفيد في التقليل من المخاطر، وإلا فما المانع في أن يكون من الوقاية معرفة سر انتشار الصفوف الطويلة من أصحاب الأرقام التي يعرضونها على المغادرات من العاملات في مطار جاكرتا إلى المملكة وما المانع من رصد هذه الأرقام ومعرفة من يقف وراءها، وما المانع من تحويل مكاتب الاستقدام إلى شركات كبيرة ويتحدد لها دور أكثر وضوحاً في القيام بأعمال الاستقدام والتدريب والمتابعة بحيث يتلقون رسوماً من أجل حسن اختيار وحسن إعداد لهؤلاء العاملات، وإلى أن يتحقق هذا التحول فقد يعاد النظر في تمديد فترة التجربة إلى ستة أشهر بدلاً من ثلاثة كشأن بعض الدول المجاورة حتى يتحرى المكتب قبل الاستقدام أو إلزام المكتب بتوفير البديل عند هروب الخادمة. كثيرات منهن لا يحملن تعليماً ولا تأهيلاً ولا معرفة بالتعامل مع أجهزة منزلية كثيرة في منازل السعوديين ثم إن غياب لغة التخاطب الشفهية والإنسانية أحياناً تصادر الكثير من أخلاقيات استيعاب الوضع الذي أجبرتهن عليه ضرورات الحياة، إلى جانب التباين الثقافي والاجتماعي والاقتصادي، بل بعض الانحرافات السائدة هناك والتي كانت موضوع إحدى حلقات \"أوبرا وينفري\" أيام تسونامي حين تحدثت عن عمليات بيع الأطفال والاتجار بهم مع أطراف غربية: أوروبية وأمريكية مقابل مبالغ زهيدة من المال، وقبل ذلك وبعده: حسن التعامل الواجب مع هؤلاء وأمثالهم من رحمة ورأفة وعناية بهم وإعطائهم ما يستحقون فور استحقاقه. ليس هذان الحادثان أول أعمال خطف الأطفال ولا آخرها لكن الأسباب والدوافع جديرة بالتحليل والدراسة وتوعية الناس بشأنها، ويظل الطرف الرئيس في كل هذه الحوادث ومثيلاتها هم أصحاب الأوكار التي يختبئ فيها المجرمون أو يأوي إليها الهاربون والهاربات حيث لم نسمع أو نقرأ خبراً واحداً عن عقوبة نالها أحد هؤلاء وكأنهم أبرياء في جرائم هم ربما أكثر جرماً من الفاعلين الحقيقيين، فلو لم يجد منفذو الجريمة من يختبئون لديه لفكر أحدهم مرات قبل أن يقدم على أمر يعرف أنه لن يجد ملاذا يأوي إليه.