ما أجمل دعوة سماحة المفتي العام لكل الدعاة والمصلحين والغيورين على الدين إلى وجوب ابتعادهم عن التحزب والتعصب للأشخاص والأحزاب والهمز واللمز والتجريح والهجر والطعن. ولعلّ كلماته الطيبة تصل إلى مسامع أولئك الذين تجاوز تقديسهم الشخصيات إلى المؤسسات، أمثال الذين (ينشبون) في (حلق) كل من تسول له نفسه انتقاد أداء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، الذي عادة ما يعود إلى خطأ أفرادها أكثر من جهازها بأسره. هؤلاء يكيلون التهم الجاهزة ويطلقون الدعوات الماحقة ضد كل من تسول له نفسه المساس ب (قدسية) الهيئة، فأين هم من دعوة المفتي الأكبر في بلادنا، وهو الأشد غيرة على الهيئة من هؤلاء المتفيقهين المتنطعين المتزمتين. وعند الحديث عن مناهج المواد الدينية في التعليم العام تصدمك العقليات نفسها، المأسورة بنظرية المؤامرة المكبلة بنظرات الشك والريبة لكل من يهمس بأن ثمة تغييرًا مطلوبًا أو تطويرًا منشودًا، مع أن مساحة التحسين والتطوير واسعة جدًا وكبيرة جدًا، وفيها بلا ريب الكثير من الخير لأبنائنا وبناتنا، خاصة إذا اقترنت بتطبيق آليات ووسائل ترسخ المعلومة فهمًا واستيعابًا لا حفظًا وتلقينًا. وهجر كل المحظورات التي أشار إليها سماحة الشيخ، إنما يعود أصله إلى حسن الثقة بالآخرين وعدم الحكم عليهم بظاهر القول أو سيماء الشكل.. حسن الثقة بالآخرين كنز هائل نادرًا ما نتزود به لبناء علاقات إنسانية أفضل ناهيك عن علاقات أخوية ترتبط بوشائج الدين الواحد ثم الوطن الواحد. وفي المقابل ينتصب سوء الظن كالسيف قائمًا جاهزًا لطعن كل مخالف ورميه بتهم تبرأ منها أخلاق المؤمن الحق والمسلم الصادق. لقد أرهقنا هذا الخلق البليد وأتعب معظم فئات المجتمع لأنه ينطوي أولاً على خطيئة التصنيف الجاهز، حتى لكأنه (فريق في الجنة وفريق في السعير)، ولا شيء وراء ذلك! قمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هي الأمر بحسن الظن والنهي عن سوء الظن، فتلك من عبادات القلوب الرفيعة المكانة العظيمة الشأن، فهل لها يا ترى من أعمالنا أفرادا كنا أو مؤسسات نصيب؟!