الناظر إلى الفن المعماري الذي بدأ أهالي جبل شدا الأسفل بمنطقة الباحة بالتسابق عليه في عودة جادة إلى مواكبة الذوق الفني القديم للأجداد سيجد سؤالا يطرحه الكثيرون حول السبب في هذا التنافس المحموم في طريقة تشييد المنازل والاستراحات بالحجر الجرانيتي المنحوت ؟. البعض يؤكد أن هذا الاتجاه مرده هو الحنين إلى بناء حضارة تستطيع أن تقف شامخة لآلاف السنين، ولتكون شاهدا لمرحلة من حياة النعيم والاستقرار التي يعيشها الناس اليوم في هذا البلد . ويود هؤلاء أن يتركوا بصمة حضارية تراثية تمس الناس بعد آلاف السنين. ويحاول البعض معرفة الظروف التي أدت إلى تشييد مثل هذه المباني الحجرية، والغرض الذي شيدت من أجله كما هو حاصل اليوم ، حيث يعكف علماء الآثار على دراسة الإرث المعماري الذي خلفته الأمم البائدة قبل آلاف السنين، واكتشفوا أنه الأفضل مناخيا ، وحاولوا إعادته بدلا من استخدام البلوك الأسمنتي الذي لا يستطيع الصمود أمام العوامل المناخية والأحوال الجوية التي ستتعاقب على مدى آلاف السنين المقبلة. يقول سعد عبدالله الغامدي (من أهالي جبل شدا الأسفل) "هناك الكثير من الدواعي للعودة إلى الفن المعماري القديم، والخامات التي بنى بها الأجداد السالفون منازلهم وكهوفهم التي كانوا يعيشون فيها قبل مئات السنين". وأضاف الغامدي ولنأخذ في الحسبان أولا أن هذه الطريقة في البناء كانت الخيار الوحيد لهم، فلم يكن آنذاك ما يبنون به سوى الحجر الجرانيتي المتوفر في الجبل. كون الجبل يتميز بطبيعة جرانيتية صرفة. بالرغم من المشقة الكبيرة التي كانوا يتجشمونها لكسر الأحجار وتهذيبها ، لانعدام أدوات ومعدات الكسر ليكون الحجر ذا شكل هندسي كالشكل المربع أو المستطيل مثلا". يقول علي الغامدي (معلم ) "لم يكن يدر بخلد الأولين في اعتقادي آنذاك الحرص على الشكل الفني للعمل الهندسي للمباني. إلا أن يكون انعكاسا فطريا للفن العفوي الذي يتمتعون به. أو هو ربما معالجة مناخية، فمناخ الجبل بارد لاسيما في فصل الشتاء، وهم بذلك يعمدون إلى بناء الكهوف والمنازل بالحجر ليقيهم البرد القارس . أو هم ربما يطبقون مفهوم (الشكل يتبع الوظيفة)، فالشكل الذي ينتهي إليه الفن المعماري يكون تبعا لوظيفته التي بني لتحقيقها. ويقول أحمد عبد الله الغامدي من أهالي جبل شدا، وممن اتبعوا نهج من سلفهم من الآباء في جبل شدا في تشييد منزله من الحجارة "يأتي الفن المعماري في مقدمة الفنون التي برز فيها العرب قديما، فهناك الكثير من الأشكال الهندسية والمعمارية الرائدة التي مازالت قائمة ومشاهدة إلى يومنا هذا، وهي شاهد على مدى ما توصل إليه العرب من فن معماري، وما وصلوا إليه من الذوق الفني في تشييد المباني والجسور". وأضاف أنه "على الرغم من أن الإنسان اليوم قد وصل إلى درجة كبيرة من التقدم . إلا أن نفسه ملت من النظام المعماري الحديث، وأصبح يحن إلى العودة إلى الطراز القديم الكلاسيكي. لأنه يجد في ذلك راحته النفسية، فبدأ يحاكي كل قديم، ويقتني كل ماهو كلاسيكي يذكره بالماضي. وأشار الغامدي إلى أن هذا ليس مقتصرا على العرب، فالغرب اليوم بدأ ينحى إلى هذا المنحى، فكثيرا مانقرأ عن تشييد الفنادق داخل الكهوف، حيث يتسابق على الظفر بالمبيت فيها ولو لليلة أغنياء العالم. ويرى علي محمد الغامدي أن "البناء الحجري الذي بدأ الناس هنا في تشييده لم تكن دوافعه مناخية، ولا لغيرها من الدواعي التي كانت توجه مسيرة تشييد المباني قديما، ويرى أن عودة الناس إلى البناء بالحجر لا يعدو كونه نوعا من الترفيه والتفنن ولكسب التميز. لأن البناء بالحجر يضفي على المنزل جمالا أخاذا، ويرمز إلى القوة والمنعة التي يعكسها المنزل على صاحب المنشاة السكنية". والحقيقة والكلام للغامدي أن البناء بالحجر الجرانيتي رغم كلفته إلا أنه جميل جدا، وهو يتناغم هنا في جبل شدا مع الطبوغرافية الصخرية التي ينفرد بها جبل شدا، فتراها أي المباني الحجرية تنسجم مع الصخور، وتتماهى معها، فتشكل لوحة فنية رائعة. بينما ترى المباني الخرسانية الطوباوية بين الصخور هنا نشازا ونفورا وعدم انسجام.