طالب المفكر الأمريكي اليهودي نعوم تشومسكي، والمفكر الأمريكي اليهودي نورمان فنكلشتاين، ضمن عددٍ من الشخصيات الأمريكية البارزة، الاتحاد الأوروبي بطرد مفوّض المساعدات الإنسانية والتنموية في الاتحاد من منصبه، والاعتذار على خلفية تصريحات حمّل فيها حركة حماس مسؤولية العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة. وقال الموقّعون في عريضة احتجاج للاتحاد الأوروبي، إنهم يشعرون بالصدمة، والرعب، والغضب؛ بسبب تصريحات لويس ميتشيل، المسؤول البارز بالاتحاد الأوروبي، ووزير الخارجية البلجيكي السابق، التي حمّل فيها حركة حماس وحدها مسؤولية العدوان الإسرائيلي! وأضافت العريضة: «نحن نطالب بطرد لويس ميتشيل فورًا من موقعه كمفوّض للمساعدات الإنسانية والتنموية في الاتحاد الأوروبي»، كما طالب الموقّعون الاتحاد الأوروبي باعتذار فوري لأهالي غزة عن تصريحات ميتشيل. وكان ميتشيل قد وصف الوضع في غزة بأنه يفوق الوصف، لكنه أضاف: «في نفس الوقت يتعيّن علينا أيضًا أن نستدعي، أن نتذكر المسؤولية الساحقة لحماس، وأنا أقول هذا متعمّدًا هنا، حماس حركة إرهابية، ويجب إدانتها بهذا الشكل.» * * * لقد كان من المفترض أن تصدر هذه الاحتجاجات المطالبة بتنحية هذا الرجل القبيح، من الدول العربية، أو من جامعتهم العتيدة، أو من الرئيس الفلسطيني محمود عباس. لقد أدان العالم كله جرائم الكيان الصهيوني المروّعة في غزة، لكن الإدانات العربية كانت أضعفها، وأخبتها صوتًا. في صحيفة هآرتس الصهيونية، كتب المعلّق الإسرائيلي المعروف جدعون ليفي يقول: «بعد عودة آخر الجنود من غزة إلى مقره، يمكن أن نجزم بيقين أنهم خرجوا إلى هناك عبثًا. ففي هذه الحرب فشلت إسرائيل فشلاً ذريعًا. ليس الحديث فقط عن الفشل الأخلاقي العميق، وهو شأن بالغ الخطورة في حد ذاته، بل عن عدم قدرتها أيضًا على إحراز أهدافها المعلنة، لم نستفد شيئًا من هذه الحرب، سوى مئات القبور، وفيها الصغار، وآلاف المعوّقين، والدمار الكثير، وضعضعة صورة إسرائيل. إن ما بدا مقدمًا خسارة معلومة لقلة فقط يوم نشوب الحرب، سيتضح كذلك لكثيرين بعد زوال هتاف النصر.» «يجب أن نضيف إلى سلسلة إخفاقات الحرب بطبيعة الأمر، إخفاق سياسة الحصار والقطيعة، فقد تبيّن منذ زمن أن هذا غير مُجْدٍ. لقد قاطع العالم، وفرضت إسرائيل حصارًا، وسيطرت حماس، ومازالت تسيطر، والاستنتاج أن إسرائيل دولة عنيفة وخطرة، لا يوقفها شيء، ولا يكبح جماحها شيء، تتجاهل بفظاظة قرارات مجلس الأمن، وتستخف بالقانون الدولي.» * * * ذلك مثل واحد لعشرات الكُتَّاب والقادة والمفكرين الإسرائيليين، الذين أدانوا جرائم الحرب الإجرامية على غزة، في المقابل سارعت أقلام وأصوات عربية -ولا تزال- تردد هتاف النصر للعدو الصهيوني، وتستعلن بالشماتة والإدانة لحماس، وتجاهلوا أن أكثر من 90% من القتلى والجرحى والمعاقين، ومن حجم الدمار الشامل، لم يصب حماس، وإنّما أصاب المدنيين العزل نساءً وأطفالاً وشيوخًا، في بيوتهم ومدارسهم ومستشفياتهم. لقد حذّر الرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر إسرائيل من كارثة، إذا لم يتحقق السلام مع الفلسطينيين، وذلك في تصريحات للأسوشيتدبرس بمناسبة صدور كتابه الجديد «يمكننا تحقيق السلام في الأرض المقدسة»، وعشرات مثل كارتر من قادة الرأي والفكر والسياسة، فعلوا الشيء نفسه، لكن زعماء الكيان الصهيوني لا يزالون يقرعون طبول الحرب، ويواصلون القصف، والقتل، والتدمير، والاعتقال في الضفة الغربية والقطاع، ويظل الموقف العربي هو الأضعف، دون أن يرتفع إلى مستوى الأخطار المروّعة، والتحديات المصيرية التي تتوالى نذرها، ومن تسارع تهويد القدس، والخليل، ومضاعفة مصادرة الأراضي، وبناء المستوطنات، وتهجير الفلسطينيين، ممّا يؤكد أن العدو لا يفكر فيما يُسمّى بالحلول السلمية، التي نسفها نسفًا على أرض الواقع في عمق الأراضي الفلسطينية. ********************************** *كاتب بصحيفة "المدينة" السعودية0