حصار غزَّة وعقوبة الانهيار الاقتصادي د . عبد الرحمن بن صالح العشماوي* يا ولاة الأمر في العالم كلِّه يا خبراء الاقتصاد، يا رجال السياسة والإعلام في العالم كلِّه، نناديكم هنا بكل وضوح، فلا مجال في الأزمات للرموز، والغموض، وتنميق العبارات. نقول لكم: الظلم ظلمات، والله سبحانه وتعالى يمهل ولا يهمل، ودعوة المظلوم ليس بينها وبين الله حجاب، والكون كلُّه تحت رعاية الله الذي خلقه وأبدعه، ولابد لكل عمل من نتيجة، ولا يمكن أن يحدث شيء في هذه الحياة بدون سبب. تريدون علاجاً لهذه الانهيارات الاقتصادية الهائلة؟ تريدون خروجاً من هذا النفق المظلم الذي دخلتم فيه وأدخلتم معكم بلادكم وشعوبكم؟ تريدون النجاة من هذا الطوفان الاقتصادي الذي نراكم تتخبطون في مواجهته، وتتحركون في كل اتجاه بحثاً عن مخرج من نفقه المظلم؟ تريدون أن تهدأ العاصفة وتسكن الزَّوبعة؟ إذن؟ فارفعوا الظلم عن المظلومين، وأعيدوا الحقوق إلى أصحابها، وكفُّوا عن العالم شرَّ سياساتكم الهوجاء، وإعلامكم الذي أصبح يحارب الفضيلة داخل البيوت الآمنة المستقرة، وألجموا أفواه مدافعكم وقنابلكم، ورشاشاتكم وصواريخكم القبيحة التي تحصد عشرات الآلاف من الأبرياء بلا رحمة ولا شفقة ولا مراعاةٍ لقانون إلهي ولا لقانون بشري وضعتموه أنتم، ثم ألقيتم به وراء ظهوركم. الله سبحانه وتعالى لا ينسى، وكل شيء عنده بمقدار، ويفتح باب التوبة للتائبين، ولكن أخذه للمكابرين المعاندين أليم شديد. يا أصحاب الرأي والقرار في العالم. أعيدوا إلى أفغانستان استقرارها، وإلى العراق أمنها، وإلى فلسطين أهلها، وفكُّوا - بلا تردُّد - حصاركم الظالم عن غزَّة الصابرة وأنقذوا مئات الآلاف من الأطفال المسلمين الذين سرقتموهم من بلادهم ووضعتموهم في ملاجئكم ودور رعاياتكم التابعة لكنائسكم لتربوهم على طريقتكم متناسين دموع آبائهم وأمهاتهم، تذكروا ما جرى في الشيشان وكشمير وبلاد البلقان من القتل والطرد والسلب والنهب، وراجعوا أنفسكم في ذلك كله، وأخرجوا المظلومين المعذَّبين من سجونكم، فعندها ستجدون فرجاً عظيماً، وسترون كيف تنقشع الظلمة وتنكشف الغُمَّة. توقفوا عن الكيد للسودان والصومال وإريتريا وإثيوبيا وغيرها من البلاد الإفريقية، إذا كنتم تريدون النجاة من هذا الطوفان الاقتصادي الجارف. وحتى نكون عمليِّين فلنبدأ مباشرةً بفكِّ الحصار عن غَزَّة، لقد حاصرتموهم حصاراً عالمياً لأنهم قالوا ربنا الله وظللتم تتفرجون عليهم وهم يطلبون العون ويعرضون عليكم صور الجائعين والجائعات، وظلام الليل الدامس حينما تنطفئ الكهرباء وأنتم غارقون في الأضواء رأيتموهم جياعاً عطاشاً عراةً وأنتم تنظرون إليهم دون مبالاةٍ بمعاناتهم، وظننتم أن الله سيترك لكم الأمر تصنعون بعباده ما تشاؤون. ها أنتم اليوم تعانون من الحصار الاقتصادي الخطير، حصار لم يقم به أعد من البشر وإنما هو حصار من الله تعالى، لا تغفلوا عن الربط بين الحصارين، فقد جاءكم العقاب الإلهي في فترةٍ وجيزة، وما زلتم وزلنا غافلين عن هذا الجانب المهم. عجبت كل العجب لما تنقله وسائل الإعلام الأمريكي والأوروبي من فقد مئات الآلاف من الموظفين لوظائفهم خلال هذين الأسبوعين الأخيرين في أمريكا وبريطانيا، وتعرُّض كبريات الشركات للإفلاس بعد إفلاس بنوك مركزية، عجبت لذلك كله ولغفلة الجميع عن السبب الحقيقي. إنه جزاء من جنس العمل. إن دول العالم بحاجة إلى أن تتنادى بلا تردُّد إلى ما يشبه حلف الفضول الذي دعا إلى نصر المظلوم وردع الظالم، وأشاد به الرسول صلى الله عليه وسلم. إشارة : أتظن أن الناس فوضى ما لهم=ربٌّ يصون حقوقهم ويُراعي *************************** *أحد أبناء منطقة الباحة ، أديبٌ أريب ، وشاعرٌ مطبوع ، وكاتبٌ في صحيفة \"الجزيرة\" السعودية.