منذ صدور العدد الأول منها درجت صحيفة \"الوطن\" على نزع الألقاب العلمية عن كتابها وكاتباتها، فيكتب اسم الكاتب مجردا من حرف \" الدال\" أو الألف و الدال\" أو سواهما من الألقاب التي تسبق أسماء الكتاب في الكثير من صحفنا المحلية، كما انتهجت نهجا خاصا بها في عدم نشر صورة الكاتب، والاكتفاء بتذييل المقالة في الكثير من الأحايين بكلمات فضفاضة على شاكلة \"كاتب سعودي\" أو \"باحث في...\" أو \"مفكر أو \"خبير في...\"، أو دون أي تعريف كما يحدث في كتاب الزوايا والأعمدة. فالقائمون على تحرير \"الوطن\" كغيرهم من القائمين على تحرير الكثير من الصحف يرون أن من مصلحة القراء – وأحيانا الكاتب والصحيفة- أن تكون العلاقة بينهم وبين كتابهم علاقة مجردة من الأمور الشخصية، منعا لأي تحيز أو تأثر بشخصية الكاتب أو الكاتبة، فيتركون للقراء النظر في محتوى المقالة أو النص بصرف النظر عن هوية الكاتب. أعلم كغيري بأن هذا النهج عرف تنتهجه الكثير من كبريات الصحف العالمية، وهو نهج سائغ لا غبار عليه! من الناحية المهنية الاحترافية، إلا أنني –أظن- أنه يشترط للأخذ به شروط قد لا يتوفر بعضها في حالتنا المحلية. ولعلي أضرب مثلا في هذا الصدد ب \"توماس فريدمان\" كاتب النيويورك تايمز، فمعظم قراء تلك الصحيفة يعرفون أين ولد فريدمان وأين نشأ، ويعرفون خلفيته الثقافية ومسيرته العلمية والعملية، بل إن بإمكان من لا يعرف شيئا عن سيرة أولئك الكتاب أن يتوجه إلى مواقعهم الإلكترونية الشخصية أو إلى مواقع تلك الصحف ليتعرف عن كثب على كل سيرهم الشخصية إضافة إلى نتف من حياتهم العائلية والشخصية، وهو ما نفتقده في الكثير من صحفنا وللأسف الشديد، فبعض الصحف تمعن في أخفاء شخصية الكاتب فلا يترك بريدا إلكترونيا له ولا عنوانا للتواصل بينه وبين القراء، فتصبح العلاقة بينه وبين القراء علاقة فوقية ومن جهة واحدة، على شاكلة بعض خطباء الجمع الذين ينصرفون بعد أداء الصلاة من باب الإمام ويتوجهون مباشرة إلى سياراتهم تاركين المصلين لتفسير ما قالوا سلبا أو إيجابا، ولا يراهم المصلون إلا في الجمعة القادمة، وهي ظاهرة اجتماعية سلبية يمكن رصدها في كافة شرائح المجتمع، ظاهرة تناقض ادعاء الكثير من المتصدرين لهموم ومشاكل الناس مع ممارستهم الفعلية، فيطالبون المجتمع والجهات الرسمية بسماع صوتهم بينما يصرون على عدم الاكتراث بسماع آراء الناس فيهم وفيما يطرحونه، فيقطعون قنوات التواصل بينهم وبين قرائهم. وقبل أن يتسرع البعض في استنتاجات لا أقصدها، فلا بأس أن أوضح قبل المضي قدما في مقالتي هذه وحتى لا يغضب مني أصحاب الفضل والمعرفة فأؤكد بأنني لا أتحدث عن مشاهير الكتاب وعلية المؤلفين والمفكرين، فهولاء يدخلون تحت قول علي بن الجهم : وليس قولك من هذا بضائره ...// ...العرب تعرف من أنكرت والعجمُ! ، فهذه الفئة أكبر من أن ُتعرف وتوصف، وهي موجودة بين ظهرانينا و لا أريد أن أسمي أحداً منهم في زماننا فأغضب مني آخرين، إنها فئة النوابغ والرواد بصرف النظر عن أوعية كتاباتهم أو ما يمنحونه من حيز على صدور أو ظهور- أو حتى بطون الصحف بين الإعلانات على الصفحات الداخلية-، إنها فئة ثاقبي الفكر واسعي الأفق التي قل وجودها في زمن اختلط فيه الحابل بالنابل، إنهم فئة الكتاب الذين يعيشون ليكتبوا وليس العكس!، وأزعم بأن هذه الفئة في طريقها إلى الانقراض لأسباب عمرية أو نفسية أو معنوية وأخلاقية، وعليه فإن حديثي ينصب على البقية الباقية من مئات الألوف ممن يسودون صفحات الجرائد بكتاباتهم ، ولعلي أؤكد أن ما سأذكره هاهنا إنما هو محاولة مني لبث خواطر جالت في ذهني وأنا أقرأ مؤخرا بعض الكتابات، فرأيت أن أشرك فيها المعنيين من قراء ومتابعين، ومن كتبة ورؤساء تحرير. سأبدأ بأسلوب الكتابة، فما زال البعض من الكتاب يعيش في زمن موغل في القدم فيعمد إلى استخدام تعابير ومفردات لا يعرف الجيل الحالي معانيها أو مراميها، فهو يتحدث عن الريشة والدواة، والمحبرة والقراطيس، في زمن الفأرة و لوحة المفاتيح، إنه بفعله هذا كاتب يكتب لنفسه وثلة من محبيه، قد تنفع كتابته للإلقاء في ناد أدبي أو بين فئة عمرية معينة أو شريحة من أهل الاختصاص، ولكنها لا تنفع مطلقا للنشر في صحيفة سيارة يقرؤها عامة الناس. لا بد أن نفرق بين التمكن من مفردات اللغة وحسن السبك لتلك المفردات وهي خصال مطلوبة في الكاتب وبين استخداماتها في زماننا الحالي ، فكلما كانت الكلمات متداولة ومستعملة وكان الأسلوب سلسا كلما سهل على القارئ العادي الاستفادة من النص ومتابعة المقالة حتى النهاية، واللغة العربية ولله الحمد والمنة غنية في مفرداتها سهلة في قواعدها، شريطة أن يعرف المستخدم لها كيفية الانتقاء من كلماتها وتعابيرها، و قد يكون هذا التعقيد سببا في تنفير الأجيال الشابة الحالية والقادمة منها، وهو ما أخشاه!، ولنا في اللغة الفرنسية وغيرها من اللغات التي قلت أعداد مستخدميها عبرة وعظة. وقس على ذلك من يكتب المقالة بأسلوب البحث العلمي الجاف، فتظهر المقالة باردة لا طعم لها، وكذلك بعض من يزعم القدرة على التحليل السياسي من خلال ما يسمعه من محللي وخبراء القنوات الفضائية أو منتديات الإنترنت، ولأن الصحيفة التي ينشر فيها تذيل مقالته ببعض من الكلمات آنفة الذكر فإن المسكين قد يصدق الأمر فيعرف نفسه في المرة القادمة بالخبير السياسي!. أما الفئة الأخرى من الكتاب فهي فئة لا تهتم باختيار الموضوعات، فهي كقدامى لاعبي كرة القدم في بلادنا الذين انتهجوا نظرية\"طقها و اركض وراها\"، فكل المطلوب هو فكرة وكفى!، قد تخصه- إن كان كاتبا من فئة الذكور- أو تخصها إن كانت كاتبة – شخصيا، ثم يقوم بمطاردة تلك الفكرة حتى نهاية المقالة، بل إن البعض ومن شدة تفاعله مع فكرته قد يفرد لها العديد من المقالات، ولا مانع عندي من ذلك أحيانا لو كانت الفكرة عامة تهم الجميع أو كانت قضية مشتركة متشعبة الجوانب تحتاج من كاتبها إلى المزيد من الإيضاح والبسط، فهذا البسط حق مشترك للقارئ والكاتب لتتم الفائدة، وتشعر وأنت تقرأ لبعض الكتاب بوصاية على القراء فكأني به يصرخ و يزبد و يرعد، بل ويكرر ذات الفكرة عاماً بعد آخر مما يفقد الطرح موضوعيته ويلقي بظلال من الشك حول دوافعه. إنني أقصد هنا تحديدا بعض من يكتب لحل مشكلة شخصية، فإن كانت له قضية في محكمة ولم يحكم القاضي بما يظنه الكاتب حقا، دبج في القاضي بل وفي قطاع القضاة مقالة عصماء تهز الثقة في النظام القضائي برمته، وإن وصل متأخرا للمطار فحرم من صعود الطائرة أو لم يسمح له بزيادة في وزن أمتعته ، توعد موظف تلك الخطوط للطيران بأنه سينقب في ماضي وحاضر تلك الشركة منذ التأسيس، وإن لم يعين قريب –أو قريبة!- له في المكان اللائق به طبقا لما يراه فإنه يشرع قلمه للكتابة عن تلك الجهة ويقول فيها ما لم يقله مالك في الخمر، وهناك من يعصر أفكاره ويقوم بعملية مسح لما مر به من أحداث أو مشاكل مؤخرا ،فهذا يتحدث عما حدث له في \"الكوفي شوب الباريسي!\" وأخرى عن \"الكوفي الشوب الجداوي!\"، وثالث يتحدث عن حل مشاكل في مكة أو شرورة وهو يعيش في القاهرة أو هونولولو، وأخريات يتحدثن عن المرأة ووضعها في العالم العربي وهن لا يعرفن شيئا عن المرأة في نفس المدينة أو الأحياء المجاورة لمنازلهن، وينظر-من التنظير!- البعض لقطاع التعليم العام ولم يسبق له أو لأحد ممن تحت ولايته أن درس أو عمل فيه، وهكذا دواليك. أعتقد أن على الصحف أن تخصص جزءا من مواقعها الإلكترونية لنشر السير الذاتية لكتابها لكي يتمكن القارئ من التعرف على ذلك الكاتب أو تلك الكاتبة مع وضع تذييل منضبط في نهاية المقالة، وعلى الكتاب أن يقبلوا بالإفصاح عن سيرهم الذاتية لأن ذلك حق للقراء، ألم يقل القائل \"من ألف فقد استهدف!\". ************************** أحد أبناء منطقة الباحة.