قد يضعف إيمان المؤمن -لسبب مّا- عن التّوبة من ذنب معيّن، ومع أنّ هذا مؤسف لكن لا ينبغي للمؤمن -إن عجز عن التوبة- أن يعجز عن الاستغفار، فالاستغفار من أسباب رفع العقوبة، ومن وسائل تخفيف أثر الذّنب، وهذا ليس بمستنكر. صحيح أنّ الاستغفار المقرون بالتّوبة له شأن آخر، لكن ما لا يُدرك كله لا يُترك جلّه. إنّ الاستغفار دون إقلاع عن الذّنب وإن كان أقلّ درجة لكن لا يُعدم العبد منه فائدة، لأنّه تعرّض بالدّعاء لنيل رحمة الله تعالى ومغفرته للذّنب. وبيانه أنّ الاستغفار درجات: أعلاها: الاستغفار المقرون بالتّوبة، ومذهب أهل السّنّة الجزم بترتّب المغفرة على الاستغفار المقرون بالتّوبة للنّصوص المتوافرة على ذلك، ومنها قوله صلّى الله عليه وسلّم: (التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له). قال ابن رجب: (فالاستغفار التّامّ الموجب للمغفرة هو ما قارن عدم الإصرار كما مدح الله أهله ووعدهم المغفرة.. وهو حينئذ توبةٌ نصوح) الثّانية: الاستغفار بالقلب واللّسان من الذّنب لكن دون أن يقترن به توبة أو عزم على الإقلاع، وهذه أدنى من الّتي قبلها لكنّها محمودة. قال ابن تيمية رحمه الله: (الاستغفار هو طلب المغفرة وهو من جنس الدّعاء والسؤال، وهو مقرون بالتوبة في الغالب ومأمور به، لكن قد يتوب الإنسان ولا يدعو، وقد يدعو ولا يتوب.. والتّوبة تمحو جميع السّيئات.. وأمّا الاستغفار بدون التّوبة فهذا لا يستلزم المغفرة، ولكن هو سبب من الأسباب). الثّالثة: الاستغفار العام باللّسان دون القلب،لكن بدون توبة من ذنب معيّن أو إقلاع عنه، قال ابن رجب : (وإن قال بلسانه: أستغفر الله وهو غير مقلع بقلبه فهو داعٍ لله بالمغفرة كما يقول: اللّهمّ اغفر لي، وهو حسنٌ وقد يُرجى له الإجابة) قال ابن رجب: (ومجرّد قول القائل: اللّهمّ اغفر لي طلب للمغفرة ودعاء بها، فيكون حكمه حكم سائر الدّعاء إن شاء أجابه وغفر لصاحبه). يُروى عن لقمان عليه السلام أنّه قال لابنه: (يا بنيّ عوّد لسانك: اللّهمّ اغفر لي فإنّ لله ساعات لا يردّ فيها سائلاً). وقال الحسن: (أكثروا من الاستغفار في بيوتكم وعلى موائدكم وفي طرقكم وفي أسواقكم وفي مجالسكم وأينما كنتم فإنّكم لا تدرون متى تنزل المغفرة). لقد تعهّد إبليس أن يكسر نفس ابن آدم ويذلّها بالمعصية، وإذا كان كذلك فما من شيء أشدّ عليه في حال المعصية من أن يستغفر العاصي، قال الحسن البصري : (بلغنا أنّ إبليس قال: سوّلت لأمّة محمّد صلّى الله عليه وسلّم المعاصي، فقصموا ظهري بالاستغفار). ******************************** كاتب بصحيفة \"المدينة\" السعودية.