محافظ الطائف يستقبل رئيس المؤسسة العامة للرّي    قطاع ومستشفى تنومة يُنفّذ فعالية "التوعية بشلل الرعاش"    "هيئة الأفلام" تطلق مبادرة «سينماء» لتعزيز المحتوى المعرفي السينمائي    متوقعة جذب تدفقات قوية في المملكة.."فيتش": 1.3 تريليون ريال حجم «إدارة الأصول» في 2026    موجز    "البريد": اتفاقيات لتصنيع الطرود    الاتحاد الأوروبي يشدد قيود التأشيرات على نهج ترامب    إيران على مسافة قصيرة من العتبة النووية    العراق: انتهاء الاستعدادات لتأمين القمة العربية الشهر المقبل    في نصف نهائي كأس آسيا تحت 17 عاماً.. الأخضر يسعى للنهائي من بوابة كوريا الجنوبية    في نسختها الخامسة بالمملكة.. جدة تحتضن سباق جائزة السعودية الكبرى للفورمولا1    في الجولة ال 28 من دوري روشن.. اختبار شرقاوي.. الاتحاد والنصر ضيفان على الفتح والقادسية    أنور يعقد قرانه    أسرة العبداللطيف تحتفي بزواج مشعل    مجلس «شموخ وطن» يحتفي بسلامة الغبيشي    الأمير سعود بن جلوي يرأس اجتماع المجلس المحلي لتنمية وتطوير جدة    وفاة محمد الفايز.. أول وزير للخدمة المدنية    سهرة فنية في «أوتار الطرب»    بقيمة 50 مليون ريال.. جمعية التطوع تطلق مبادرة لمعرض فني    الأفواج الأمنية تشارك في معرض المرور بمنطقة نجران    5 جهات حكومية تناقش تعزيز الارتقاء بخدمات ضيوف الرحمن    القيادة تعزي ملك ماليزيا في وفاة رئيس الوزراء الأسبق    تدشين برنامج «سمع السعودية» لزراعة القوقعة للأطفال الفلسطينيين    قطاع الأعمال السعودي يدعم صندوق تمكين القدس    "التعليم" تستعرض 48 تجربة مميزة في مدارس الأحساء    "الملك سلمان للإغاثة" يواصل دعم المجتمعات المحتاجة    قيود أمريكية تفرض 5.5 مليارات دولار على NVIDIA    1.695 مليار ريال قيمة صادرات التمور السعودية عالمياً    أمين الرياض يزور مشروع المسار الرياضي    الانتهاء من مشروع الدائري في القطيف    كودو تعلن عن شراكة استراتيجية مع فريق «مهرة» السعودي المشارك في سباقات أكاديمية الفورمولا 1    ملتقى الثقافات    توصيات لمواد وألوان عمارة واحات الأحساء    الرياض أكثر مناطق المملكة في شاشات السينما    حوار إستراتيجي بين دول «الخليجي» وآسيا الوسطى    "ليلةٌ دامية" في غزة ومفقودون لا يزالون تحت الأنقاض    إنترميلان يتخطى بايرن ويضرب موعداً مع برشلونة بنصف نهائي «أبطال أوروبا»    أمير نجران يطّلع على تقرير أداء الوكالات المساعدة وإدارات الإمارة    حرب الرسوم الجمركية تهدد بتباطؤ الاقتصاد العالمي    خمس جهات حكومية ترسم مستقبل الحج والعمرة    الرياض تستضيف كأس الاتحاد السعودي للكرة الطائرة    القبض على إثيوبي في الباحة لترويجه الحشيش والإمفيتامين    ما كل ممكن يسوغ    الرياض تستضيف أول منتدى لحوار المدن العربية والأوروبية    عملية قلب مفتوح لسبعيني في القصيم    قوات الدعم السريع تعلن حكومة موازية وسط مخاوف دولية من التقسيم    الأرصاد: هطول أمطار رعدية على معظم مناطق المملكة    أمين المدينة: تأهيل 100 موقع تاريخي بحلول 2030    صندوق تمكين القدس يدعو إلى إغاثة الشعب الفلسطيني    ولي العهد يعزي رئيس وزراء ماليزيا في وفاة عبدالله بدوي رئيس الوزراء الماليزي الأسبق    رُهاب الكُتب    الأول من نوعه في السعودية.. إطلاق إطار معايير سلامة المرضى    سمو أمير منطقة الباحة يتسلّم تقرير أعمال الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف    توقيع اتفاقية تمويل "رسل السلام" بقيمة 50 مليون دولار    "القدية للاستثمار"شريك مؤسس لسباق جائزة السعودية الكبرى StC للفورمولا 1    العالم على أعتاب حقبة جديدة في مكافحة «الجوائح»    فرع الإفتاء بجازان يختتم برنامج الإفتاء والشباب في الكلية الجامعية بفرسان    أمير نجران يعتمد الهيكل الإداري للإدارة العامة للإعلام والاتصال المؤسسي بالإمارة    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نظرات تأملية لتجربة الإنسان العلمية والتكنولوجية في القرن العشرين
نشر في شرق يوم 18 - 12 - 2009

د.عبدالله الحمادي : نقدم هنا واحدة من حلقات "نظرات تأملية لتجربة الإنسان العلمية والتكنولوجية في القرن العشرين " للبروفيسور سالم آل عبدالرحمن وهي تأتي بحدود أكثر من 250 حلقة وتغطي بمجموعها أبرز أحداث العلم والتقنيات العلمية والإختراعات والنظريات التي أستطاع الإنسان المعاصر إحرازها إبان القرن الفارط وعلى كل المستويات ،ولعلها تكون أول تسجيل عالمي شامل لتجربة الإنسان مع وقفات تحليل على جانب من الدقة وروح الإحتراف.
قدمت حول هذه الحلقات الكثير من المحاضرات وبلغات عدة وفي دول مختلفة ،ونأمل أن نوفق بعرض بعضها هنا - إ ن وفقنا بذلك – ومن الله تعالى نستمد العون .
نظرات تأملية لتجربة الإنسان العلمية - التكنولوجية في القرن العشرين*
بيئة اقتصادية جديدة
د. م سالم عبد الجبار آل عبد الرحمن
استشاري الشؤون العلمية والفنية والإستراتيجية
مؤسسة الفرق الذهبية للاستشارات والتدريب الدولي- لندن
لا يوجد مجال يبين أهمية المواضيع مثل الإرتفاعات في أسواق الطاقة العالمية وفي ردود فعل الحكومات لمواجهة أزمات الطاقة التي ظهرت في عقد السبعينات، فقد بينت هذه الإرتفاعات شيئين هامين : أن البلاد الصناعية الغربية
وبلداناً نامية كثيرة أصبحت تعتمد بطريقة خطيرة على منطقة واحدة من العالم – وهي متفجرة سياسياً –لأمدادها بجزء كبير من احتياجاتها النفطية ، وأن فترة إلامدادات والأسعار المستقرة لمصادر الطاقة ، والتي أستمرت مايقارب من ثلاثين سنة قد إنتهت فجأة . وقد كان لردود الفعل الناشئة لمواجهة هذه الإرتفاعات مضمون واضح أيضاً : وهو أنه ليس هناك علاجاً تكنولوجياً سواء كان برنامجاً مكثفاً لخلق قوة نووية أو مجهوداً متعجلاً لإنتاج وقود صناعي يستطيع ضمان عدم التبعية للنفط المستورد أو توفير المناعة ضد الأسعار المرتفعة للطاقة .
أكد خطر تصدير النفط في عامي [1973- 1974] وإرتفاع أسعاره أن هناك تغيرات تكوينية عميقة حدثت في السوق العالمية للنفط خلال عقد السبعينات. فبين عامي 1950 – 1973 زاد إنتاج العالم من النفط من 4 بلايين برميل إلى 20 بليون برميل في السنة الواحدة ، وقفز بذلك معدل النمو السنوي إلى 7% وقد صُبَ تدفق هذا النفط الرخيص حيث أنخفضت أسعاره بشدة خلال هذه الفترة في أساطيل السيارات المتزايدة، ومراجل المساكن والمصانع والصناعات الكيميائية ، ومحطات توليد الكهرباء في العالم الصناعي . ونشأت الأساليب التكنولوجية كثيفة الإستخدام للطاقة في هذه الفترة مما أدى إلى تغيير شكل المدن والمصانع والحياة اليومية . ولكن هذه التطورات حملت معها ثمناً مستتراً : وهو التبعية المتزايدة لمنتجي النفط في كل مكان في العالم تقريباً .
وحتى عام 1970 كان إنتاج النفط في الولايات المتحدة ، وهي أكثر دول العالم إستهلاكاً له ، يزداد بطريقة منتظمة ليسد إحتياجات معظم مطالب الولايات . وكان هذا الإنتاج المحلي يستكمل بواردات معظمها من كندا وامريكا اللاتينية . ولكن في عام 1970 وصل إنتاج آبار النفط الأمريكية إلى الذروة ثم بدأ في التضاؤل بينما إستمرت الزيادة على طلب النفط. ونتيجة لذلك إتجهت الولايات المتحدة إلى الشرق الأوسط لملء الفجوة الواسعة التي نشأت بين إحتياجها للنفط وطاقتها الإنتاجية منه . وكانت أوربا واليابان تعتمدان منذ فترة طويلة على الشرق الأوسط لأمدادهما بمعظم إحتياجاتهما من النفط حيث كانت اليابان تستورد مايقارب من 100% من إحتياجها من هذه المنطقة .
وقد إتضحت هذه التبعية المتزايدة بطريقة أكثر أيلاماً عندما قطع منتجو النفط من العرب إمداداتهم إلى الولايات المتحدة وبعض الدول الأوربية في عام 1973 وعندما قامت منظمة الدول المصدرة للنفط (الأوبيك)OPEC برفع الأسعار إلى أربعة أضعافها فجأة .
أدت أحداث عام [1973-1974] إلى إثارة قدر كبير من القلق في الدول الصناعية وحثت على إجراء مجموعة من الدراسات حول مستقبل النفط في العالم. وإتضح أخيراً أن التكنولوجيا الصناعية قد أصبحت تعتمد إعتماداً خطيراً على مصدرٍ للطاقة قد ينفد في يوم ما ، وأن أنماط الإنتاج والإستهلاك السائدة خلال الخمسينات والستينات لن يمكن الإبقاء عليها في المدى الطويل . ودار وقتها جدلاً طويلاً حول المدة المزمنية الباقية حتى يصل الإنتاج العالمي للنفط إلى ذروته ثم يبدأ في الإنخفاض ، ولكن الآراء إتفقت في أواخر السبعينات على أن هذا الإنكماش سوف يبدأ خلال عشرين عاماً(1) .
بعد منتصف السبيعنات تضاءل الطلب على النفط . وأنخفض معدل النمو السنوي الذي بلغ 7% في الستينات إلى حوالي 2% سنوياً ،كما أن أسعار النفط فشلت حتى في مواكبة التضخم بين عامي [1974-1978] . بعدها أختفت أزمةالنفط من عناوين الصحف ، ولكن الثورة الأيرانية Iranian Revolution خلقت تذكرة حادة أخرى لعدم إستقرار امدادات العالم من النفط .
وفي عام 1979 أصبحت سوق النفط محدودة وهو ما كان متوقعاً حدوثه في التسعينات، وذلك عندما تقلص الإنتاج الأيراني بدرجة كبيرة . وبالرغم من أن السوق العالمية للنفظ لم تفقد إلا أقل من 3 ملايين برميل يومياً – وهي كمية تعادل حوالي 5%فقط من الإستهلاك العالمي – إلاّ أن هذه الخسارة كانت كافية لتحويل تخمة صغيرة إلى نقص . فقد انتهز أعضاء الأوبك هذا النقص ورفعوا الأسعار من 13.77 دولار إلى 28.45 دولاراً للبرميل الواحد ، وذلك بين يناير 1979 ويناير 1980. وهكذا أصبحت الطاقة الرخيصة التي كان لها تاثيراً كبيراً على التغير التكنولوجي على مدى جيل ، من الأحداث الماضية .
وقد أكدت الإضطرابات التي سادت السوق العالمية للنفط في نهاية السبعينات نقطة هامة للغاية : هي أن الحدود السياسية والطبيعية على حد سواء سوف تحدد كمية وسعر النفط المتدفق في ناقلات النفط العالمية والأنابيب خلال العقدين أو الثلاثة عقود القادمة . وبالرغم من أن التوفر الطبيعي لأحتياطات النفط سوف يتسبب بلاشك في إنخفاض إنتاجه في بعض البلدان – مثل الولايات المتحدة الأمريكية وفنزويلا ورومانيا– إلاّ أنه في بعض البلدان الآخرى سوف يبقى هذا الأنتاج أقل من معدله الأقصى .
وهناك أسباباً مهمة لمثل هذه السياسه Policy ، فمن ناحية يعتبر النفط في الأرض أصولاً يمكن الإعتماد عليهم أكثر من الدولارات المنكمشة في المصارف. ومن ناحية أخرى أقتنع الكثيرون من منتجي النفط أن أهدافهم الإقتصادية والسياسية تتحقق على أكمل وجه إذا ماتم توجيه دخل النفط إلى إحتياجات التنمية . وكان ذلك هو الهدف الذي صرحت به الحكومة الإيرانية بعد سقوط الشاه ، كما صرح الرئيس المكسيكي "لوينز بورتيلو" أن الإنتاج في بلاده " يجب أن يُحدد بكميات تتناسب مع مقدرة البلاد على إستيعاب الدخل الهائله الناتج عنه " كذلك قامت كل من دولة الكويت والسعودية وإيران والعراق والبحرين بتحديد إنتاجها ليصل إلى مستوى منخفض كثيراً عن طاقة الإنتاج القصوى .
وهكذا شهدت السبعينات تغيّراً جذرياً وخطيراً في صورة الطاقة في العالم. فقد أنتهى ربع قرن من الطلب المتزايد والمستمر على النفط والتوسع المتزايد في إنتاجه لتحل محلة سلسلة من الأضطرابات ، والزيادات الحادة في الأسعار وعدم الإستقرار المتزايد في الامدادات العالمية للنفط . وبدراسة التوقعات في نهاية عام 1980 أكد مركز الولايات المتحدة الأمريكية لتقييم التكنولوجيا أنه " في الغالب سوف تكون هناك زيادة قليلة أو لن تكون هناك زيادة على الإطلاق في إنتاج العالم من النفط من المصادر التقليدية "(2).
أثرت هذه التطورات تأثيراً مباشرا وغير مباشر على العلوم والتكنولوجيا Science & Technology . وأوضح هذه الآثار هو التأكيد الأليم أن العلماء والمهندسين لايملكون حلولاً تكنولوجية لمشاكل الطاقة في العالم : فقد تداعت التوقعات التي ظهرت خلال الخمسينات والستينات بأن "عصر النفط "Oil Age سوف يذوب تدريجياً في " عصر الذرة " Atom Age وقد أدت تجارب السبعينات القاسية إلى تداعيها. وبينما تستمر الحكومات في إنفاق المبالغ الطائلة على تطوير التكنولوجيات الرئيسية مثل إنتاج الوقود الصناعي وبناء مفاعلات التجارب النووية ، إلاّ أنه قد أصبح من الواضح أن مثل هذه البرامج وحدها لايمكنها تقديم الخلاص من أسعار النفط المتصاعدة . فكل تكنولوجيا جديدة تنتج عنها عدة مشاكل إجتماعية وسياسية وإقتصادية جديدة .
وقد أثر كل ذلك على المواقف العامة تجاه العلم والتكنولوجيا حيث أصبحت مشاريع الطاقة الواسعة النطاق أكبر ما يرمز إلى الآثار الجانبية السلبية للتقدم التكنولوجي، كما صارت بمثابة ميادين قتال رئيسية تصادمت فيها القيم الإجتماعية والبيئية الجديدة مع القيم التكنوقراطية المؤيدة للنمو والتي شكلت المجتمع الصناعي لأجيال عديدة .
ويبين مصير مشروع الرئيس "نيكسون" ذي الدعاية الهائلة "مشروع الأستقلال" مدى إستحالة تخليد أنماط الإستهلاك السائدة في فترة ما بعد الحرب عن طريق الإعتماد على برامج تكنولوجية مكثفة لخلق إمدادات جديده للطاقة.
بدأ هذا المشروع في عام 1973 ، في أعقاب الخطر النفطي ، وكان يهدف إلى جعل الولايات المتحدة مستقلة عن النفط المستورد في عام 1985 وذلك عن طريق تدعيم القوة النووية ، وإنتاج الفحم ، والنفط والغاز المحلي وقد أعلن هذا المشروع بنفس الطريقة الصاخبة التي أعلن بها الرئيس"كنيدي" عن هدفه بأنزال رجل على سطح القمر قبل ذلك بعشر سنوات ولكن نداء "نيكسون" إلى قوة التكنولوجيا الأمريكية كان أقل نجاحاً .
وبدلاً من أن تصبح أقل إعتماداً على النفط الأجنبي ، زادت الولايات المتحدة من وارداتها بشدة خلال معظم سنوات السبعينات . وفي عام 1978 كان النفط المستورد يشكل نصف إستهلاك الولايات المتحدة تقريباً . وذلك بالمقارنة بأقل من الثلث حين بدأ "مشروع الإستقلال" .فقد عانت الطاقة النووية ، وهي قلب هذا المشروع ، من مشاكل قاسية حين ازدادت المعارضة العامة لها ، وزادت تكاليف البناء ، كما ازداد الشك بشأن التخلص من النفايات وبقيت مشكلة الأمن والسلامة بلا حل (3).
وواجه خلق مصادرالفحم والزيت الحجري مجموعة من العقبات البيئية والإقتصادية . فعلى سبيل المثال زادت التكلفة المتوقعة لإنتاج الوقود الصناعي من الفحم والصخر بطريقة فاقت الزيادة في أسعار النفط ، كما قلت المساهمه المتوقعة لهذه الأنواع من الوقود في سد الاحتياجات المحلية للطاقة بدرجة كبيرة . وقد تمثل الدرس القاسي الذي لقنه فشل "مشروع الاستقلال " فيما يلي : قد يكون للولايات المتحدة الأمريكية المقدرة التكنولوجية الكافية لتحقيق استقلال الطاقة عن طريق برنامج سريع لخلق إمدادات الطاقة ، ولكن ممارسة هذه المقدرة غير مقبولة سياسياً وبيئياً واجتماعياً.
وبالنسبة للكثير من العلماء والمهندسين ، لم يكن من السهل قبول الصعوبات التي واجهتها محاولات إحياء تكنولوجيات الطاقة التقليدية والنووية . فقد إعتاد العلماء على عالم دقيق من الوقائع والأرقام وتحليلات الخطورة Risk Analysis ولذلك تراهم أكدوا كثيراً على أن أولئك الذين يعارضون القوة النووية ومحطات إنتاج الوقود الصناعي وغيرها من المشاريع التكنولوجية المشابهة ، إنما يقفون موقفاً معادياً للعلم والتكنوجيا [T&S] . ومع ذلك فإن الطاقة الشمسية Solar Energyوحفظ الطافة ، وهما موضوعان يحظيان بالمساندة الشعبية من هؤلاء الذين يعارضون المضي في البرنامج المكثفة والمركزه لخلق الطاقة ، يحتاجان إلى خلق مجموعة من التكنولوجيات الجديدة المتطورة . والواقع أن الطريق إلى زيادة فاعلية الطاقة وزيادة الإعتماد على مصادر الطاقة المتجددة Renewable Energy لايقل في تحديه التكنولوجي عن الطريق الذي يهتم بزيادة إنتاج وإستهلاك الطاقة التقليدية (4) .
ونجحت الصناعة بين عامي 1975-1985 في انفاق حوالي 80 بليون دولار على مصانع تجميع جديده ، واستطاعت أن تحقق عدة متغيرات تكنولوجية تراوحت من خلق حاسب آلي صغير Minicomputer للتحكم في تشغيل المحرك، إلى صناعة أجزاء خفيفة للغاية لتكوين الهياكل . وتعتبر مثل هذه الجهود ضرورية في صناعات أخرى ، وذلك لتحويل التكنولوجيات التي نشأت في عصر كان سعر برميل النفط فيه دولارين إلى تكنولوجيات تلائم عصراً يصل فيه سعر البرميل إلى 50 دولاراً .
وكما ورد في دراسة للأكاديمية القومية للعلوم National Academy of Science في الولايات المتحدة تبين أن "مستقبل الطاقة المنخفضة سوف يخلق حوافز قوية للتجديد التكنولوجي.. فكل الأساليب المستخدمة للإقلال من استخدام الطاقة المذكورة في هذه الدراسة تعتمد في كل حالة تقريباً على التكنولوجيا المتطورة ".
وتتلخص نتيجة الدراسة التي قامت بها لجنة الأكاديمية في أن الولايات المتحدة تستطيع التمتع بنمو اقتصادي قوي مع الاحتفاظ بنفس مستوى طلبها للطاقة ، أو ربما تستطيع ، إذا ما توفرت بعض الظروف ، أن تقلل من استهلاكها الكلي منها . وسوف تتحقق هذه التوقعات باستخدام إجراءات قوية للمحافظة على الطاقة والعمل على خلق تكنولوجيات جديده New Technologies تستخدم الطاقة بطريقة أكثر فاعلية . وتعتمد هذه التوقعات ، من نواحٍ كثيرة ، على اتجاه ظهر في السبعينات وهو إتجاه يمثل تغيراً واضحاً لأنماط ما بعد الحرب بالنسبة لاستهلاك الطاقة والنمو الإقتصادي مرتبطين ارتباطاً وثيقاً في البلدان الصناعية . فكل نسبة مئوية تحقق في زيادة الناتج القومي الإجمالي يقابلها نسبة مئوية مماثلة تتحقق في زيادة الطلب على الطاقة . ولكن في أواخر السبعينات ، ازداد استهلاك الطاقة بنسبة تمثل تقريباً نصف نسبة مُعدل نمو الناتج القومي الإجمالي في بلاد كثيرة ، وهكذا لم تكن الروابط بين الطلب على الطاقة والنمو الاقتصادي بنفس القوة التي كانت عليها في فترة ما بعد الحرب .
وقد أثارت أزمات الطاقة التي ظهرت في السبعينات عدة مشاكل كان العلم والتكنولوجيا يلعبان دوراً رئيسياً فيها ، وبقي هناك تضارباً في القيم يكمن وراء المناقشات الحادة حول سياسة الطاقة المثارة في العالم الصناعي كله . فاختيارات تكنولوجيا الإمداد بالطاقة والقرارات الخاصة بتشجيع حفظ الطاقة ، لا تعتبر ببساطة أموراً تكنولوجية ، فهي تتضمن مجموعة معقدة من المواضيع الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والبيئية . ولم تكتف اضطرابات الطاقة في السبعينات بالإسراع بنا إلى عصر جديد للطاقة ، بل أنها أيضاً قد كشفت عن النطاق الواسع الذي تتم فيه صنع القرارات التكنولوجية .
ثبت الهوامش
[1] للإطلاع على التغيرات التي يمكن أن تطرأ على هيكل الطلب على النفط وكذلك كيفية تطوير صناعة النفط ، والى أين تتحه خاصة في منطقة الخليج العربي بالإضافة إلى مبادرات الخصخصة في قطاعات الطاقة في منطقة الخليج العربي والخيارات والفرص المتاحة لهذه الصناعة في ظل الأوضاع الدولية أنظر : -
"الأوضاع الاستراتيجية في صناعة النفط : الاتجاهات والخيارات " بول ستيفينز - أبو ظبي ، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ، اكتوبر - 1998م .
[2] للاطلاع على أوضاع السوق النفطية في الفترة الممتدة من تسعينيات القرن العشرين إلى نهاية العقد الأول من القرن الحادي والعشرين بالإضافة إلى دراسة الإفتراضات المختلفة حول مستقبل أسعار النفط وكذلك احتمالات القدرة الإنتاجية وما يعترضها من عوائق . أنظر :
" النفط في مطلع القرن الحادي والعشرين : تفاعل بين قوى السوق والسياسة " هوشانج أمير أحمدي - أبو ظبي ، مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية ، يوليو - 1996م .
[3] هذا غير قلق الأخطار المحتملة والمفاجئة التي يمكن أن تتسبب من المفاعلات والمحطات النووية. انظر : "الحوادث النووية المفاجئة في الولايات المتحدة : المسببات واحتمالات الوقوع ".
د. . سالم عبد الجبار آل عبد الرحمن - مجلة الحرس الوطني ،الرياض ، اغسطس - 1997م . ص62-64
[4] للمزيد من الإطلاع ، انظر : "تكنولوجيا الطاقة الجديدة والمتجددة بين ارهاصات الحاضر وتحديات المستقبل " أ.د . سالم عبد الجبار آل عبد الرحمن - مجلة أخبار النفط والصناعة ،أبو ظبي ، العدد 289 - سبتمبر 1994م .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.