سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
ارتفاع أسعار البترول يبرز شكلاً من القطبية المتنافسة عالمياً في العرض والطلب أكثر من 16 تريليون دولار استثمارات متوقعة لاستكشاف وإنتاج النفط على مدى الثلاثة عقود القادمة
أبرزت موجة ارتفاع أسعار البترول التي عمت الأسواق العالمية خلال السنتين الماضيتين شكل من القطبية التنافسية عالميا في العرض والطلب يدفعها عاملان استراتيجيان الأول سعى الدول المستهلكة على تأمين إمداداتها من وقود الطاقة لمواجهة احتياجاتها المتزايدة نتيجة إلى النمو الاقتصادي الكبير والتكاثر السكاني المطرد وارتفاع استخدامات الطاقة في مختلف المناحي الحياتية. والثاني تحرك الدول النفطية إلى تلبية احتياجات هذه الدول من الطاقة واستغلال ارتفاع الأسعار في رفد ميزانياتها وتوظيف هذه العائدات في تطوير الحقول النفطية ولاستفادة من ريعها في إيجاد منشآت صناعية بترولية تشكل مدخولات مالية تدعم وضعها المالي. وقد جاء التغيير في اتجاهات الطلب العالمي على البترول هذه المرة من الدول الصناعية الآسيوية كالصين واليابان والهند وكوريا الجنوبية والدول النامية الأخرى في الشرق الأقصى مما جعل المنافسة تحتدم بينها وبين الدول الغربية التي تقودها الولاياتالمتحدةالأمريكية بصفتها اكبر مستهلك للنفط بالعالم يدفع هذه الدول عامل مشترك وهو التعطش إلى الوقود الاحفوري وسد رمقها من الذهب الأسود الذي ظل وسيظل المحرك الرئيس للتنمية الصناعية والاقتصادية والعمرانية ومعظم مناحي الحياة فكلما تقدم العالم تكنولوجيا زادت حاجته إلى النفط ليغذي هذه التنمية وهذا التطور. وإذا ما أمعنا النظر في محور العرض أي الدول المنتجة للنفط فإننا نجد أن دول الشرق الأوسط تبرز كأكبر منتج للنفط حيث أنها تزود العالم بحوالى 40٪ من احتياجاته النفطية وتتعدى أهمية نفط الشرق الأوسط نوعيته العالمية الفريدة إلى رخص كلفة استخراجه من باطن الأرض حيث تشير الإحصائيات إلى أن كلفة تنقيب البرميل الواحد من النفط الخام أقل من دولار مقابل كلفة عالية وباهظة الثمن في دول عالمية أخرى وسط جيولوجية معقدة تجعل منافستها اقل في الاختراق إلى أسواق الاستهلاك. وتبين الإحصائيات أن هناك ما يقارب من 700 مليار برميل احتياطي من النفط في منطقة الشرق الأوسط، مقارنة مع نفط المناطق الأخرى، ، كأفريقيا 170 مليار برميل وروسيا 65 مليار برميل، وأوروبا 20 مليار برميل، ، وأمريكا الشمالية 62 مليار برميل ، ويتوقع زيادة حصة الأوبك من الإنتاج اليومي للنفط إلى ٪50 عام 2010، حسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية والتي ترى أن إنتاج النفط العالمي يجب أن يرتفع من 82 مليون برميل في اليوم، حاليا، إلى ما يعادل 115 مليون برميل في عام 2020م. غير أن هناك دولاً عالمية تحركت للاستفادة من هذا التنامي في الأسعار والدخول إلى حلبة المنافسة في الأسواق البترولية تدعمها الدول المستهلكة التي تحاول خلق مسارات جديدة في موارد البترول تتخطى دول الشرق الأوسط ومنها على سبيل المثال دول الاتحاد السوفييتي السابق وخاصة تلك التي تتشاطأ على بحر قزوين والتي ركزت عليها الدول الغربية كثيرا وقوت عودها بمد خطوط أنابيب لكي ينساب نفط بحر الخزر المعزول الى الشواطيء المحيطة لنقله إلى الأسواق العالمية. بيدا أن هناك عقبات كثيرة تعتري الاستثمارات في هذه المنطقة وذلك لوجود مشاكل سياسية وأمنية جعلت معظم شركات النفط العالمية تتردد في خططها للاستثمار في هذه المنطقة المحفوفة بالمخاطر ما لم تتلق دعما من الدول العظمى يحمي على الأقل منشآتها النفطية في مناطق ساخنة وتدور فيها حروب إقليمية ، وهو ما دفع الولاياتالمتحدةالأمريكية إلى إلقاء كامل ثقلها لتمرير هذه الخطوط ومحاولة تجنب مناطق الخلافات وتفادي مرورها بالدول التي لا تظهر ولاء متكاملاً للقطب الأمريكي. وما فتئت الولاياتالمتحدةالأمريكية تلوح باستخدام احتياطياتها غير المؤكدة من النفط لفك اختناقات نقص إمدادات الطاقة حيث تتجه حاليا إلى فتح محمية الآلسكا والاستفادة من الثروات القابعة في باطن أرضها ، كما أن هناك تحركات من دول مثل تشاد والجابون وانجولا والسودان وكندا والمكسيك وغيرها من الدول التي كانت تحتوى أراضيها على نفط صعب الاستخراج وغير مجدٍ اقتصاديا إلا بعد تنامي الأسعار إلى مستويات تفوق 40 دولاراً للبرميل إلا أن الشركات تقدم رجلا وتؤخر الأخرى في الاستثمار في مثل هذه المناطق إذ أنه ما من احد يستطيع التنبؤ بان تستمر الأسعار فوق 40 دولاراً على مدى الخمس سنوات القادمة. هذا التوجه الكبير في الطلب على النفط يتطلب استثماراً يصل إلى حوالي 16 تريليون دولار في الخمسة والعشرين عاما المقبلة في عمليات استكشاف وتطوير وإنتاج البترول حسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية والتي انتقدت الشركات الكبرى لعدم استثمار مبالغ كافية في قدرة إنتاجية إضافية خاصة بعد أن أعلنت هذه الشركات عن أرباح خيالية للربع الأول من العام ورأت من الأفضل أن توزع الأرباح على المساهمين وكمكافآت للمديرين. وتخصيص نسبة قليلة من الأرباح لأعمال الاكتشاف والتطوير والإنتاج. الاستهلاك العالمي للنفط والذي يصعد بنسبة 57٪، والغاز بنسبة 68٪ جعل القطب الآسيوي بقيادة الصين والهند يتحرك بقوة حيث تبذل الصين التي تمتلك اقتصادا يعد الأسرع في معدل نموه على مستوى العالم جهودا دبلوماسية مكثفة، وتضخ استثمارات ضخمة في مجال الطاقة في الدول الإفريقية مما جعل المنافسة تحتدم بينها وبين قطب الدول الغربية التي تحاول الهيمنة على اكبر قدر من مصادر الطاقة من خلال تعزيز جسور التعاون مع الدول النفطية وتقديم تسهيلات تقنية ومالية لكسب ولاءها وضمان تدفق نفطها لتغذية الاقتصاد الصناعي في هذه الدول.