يبلغ سعر برميل النفط هذه الأيام ضعف سعره قبل عام تقريبا. وهذا وضع صعب فهمه، وهو أقرب إلى اللغز، لأن العالم لم يشهد خللاً كبيراً في إمدادات النفط خلال هذا العام أو السنوات القليلة الماضية. ولذا كان موضوع ارتفاع أسعار النفط على قائمة أهم الموضوعات في الاجتماعات الدولية الكبرى المعقودة خلال هذا الشهر والشهر الماضي. ويعقد في "اجتماع جدة للطاقة" يوم الاحد 18جمادى الآخرة 1429الموافق 22يونيه 2008.وقد دعي إلى الاجتماع كبرى الدول المنتجة والدول المستهلكة، وكذلك منتدى الطاقة ومنظمة أوبك ووكالة الطاقة الدولية والمفوضية الاوروبية للطاقة وشركات البترول العالمية الرئيسية، للبحث في مشكلة ارتفاع أسعار النفط. قبل أيام حمل الأمين العام منظمة الدول المصدرة للنفط (اوبك) عبد الله البدري ارتفاع الأسعار إلى انخفاض الدولار والمضاربات التي تغذيها السيولة للمتاجرة بعقود النفط الآجلة. وقد لام وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي النعيمي في أكثر من مناسبة المضاربين speculators، وفي مؤتمر الأوبك الماضي في الرياض (نوفمبر 2007) صرح الأمير عبد العزيز بن سلمان مساعد الوزير أن الظروف الدولية الحالية أتاحت الفرصة للمضاربين لاستغلال الفرصة في رفع الأسعار. ولكن ما طبيعة هذه الظروف، وما علاقتها بالمعلومات المتاحة عن احتياطات العالم النفطية؟ قضية للبحث. مقابل نظرية المضاربة التي يرفعها أعضاء أوبك، هناك نظرية العرض والطلب التي ترفعها الدول الصناعية. فقد دعا وزراء المالية في مجموعة الدول الصناعية الكبرى في العالم في اجتماعهم قبل ايام دعوا منتجي النفط الى رفع مستويات الانتاج للمساعدة في استقرار الاسعار التي ارتفعت بحدة خلال الاشهر الاخيرة، واعتبروا ان الاوضاع في قطاع النفط باتت تهدد النمو الاقتصادي العالمي. ورأى وزير الخزانة (المالية العامة) الامريكي هنري بولسون ان سبب القفزات العالية في اسعار النفط هو قلة العرض امام تزايد الطلب العالمي، وان المشكلة ليست مشكلة مضاربات في الاسواق. لكن الأمريكان يعترفون أيضا بتأثير المضاربات، فقد أشارت أخبار الأربعاء 18يونيو إلى أن سلطات تنظيم الاعمال الامريكية أعلنت عن خطط لفرض قيود على المتاجرة في النفط خارج الولاياتالمتحدة. وزراء مالية الدول الصناعية طلبوا من صندوق النقد الدولي والوكالة الدولية للطاقة وضع دراسة تحليلية للعوامل المسببة لارتفاع اسعار النفط والسلع الاخرى، وتأثيرها على الاقتصاد العالمي. وحتى تصدر هذه الدراسة، فإن كثيراً من الدراسات القائمة تتوقع زيادة استهلاك الولاياتالمتحدة نحو 7ملايين برميل عام 2030مقارنة بالوقت الراهن. في الوقت نفسه، يتوقع انخفاض انتاجها بنحو مليوني برميل. طبعا نهم الصينيين والهنود للنفط في ازدياد، ولن يقل عن زيادة طلب الأمريكان، وهذه الدول الثلاث يتوقع أن تستهلك نحو نصف الاستهلاك العالمي بعد نحو بضع عشرة سنة. هذا يعني أن الطلب العالمي سيزيد في حدود 30مليون برميل يوميا عام 2030.وإذا وصل استهلاك الفرد في الدول النامية إلى مستويات مشابهة لاستهلاك الفرد في الدول الصناعية الغربية الآن، فإن الطلب العالمي على الطاقة سيزيد 30مليون برميل بسنوات قبل 2030، وهذه التوقعات مبنية طبعا على أوضاع سعرية. من أين سيلبي هذا الطلب؟ هل تستطيع الدول النفطية تلبية الطلب المتزايد؟ لا يبدو ذلك، ولا يلوح في الأفق بديل أنسب. أكد الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون بعد لقائه بخادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، أواسط يونيو 2008، أكد أن المملكة سعت أو تسعى قريبا لرفع انتاجها النفطي نصف مليون برميل يوميا. لكن من المتوقع أن تطلب المملكة من حكومات الدول الغربية تخفيف الضرائب المفروضة على الوقود. لكن ما تأثير نصف مليون برميل على الأسعار في ظل تزايد الطلب؟ يؤمن النفط مع الغاز نحو 60% من احتياجات الاقتصاد العالمي للطاقة، ولكنه مورد غير متجدد. وقد توصل فريق دولي من المتخصصين في اجتماع جمعية لدراسة ذروة النفط والغاز (aspo) في 2002في السويد أن الانتاج العالمي من النفط سوف يصل الى الذروة ( 87مليون برميل يوميا) حوالي عام 2010ويتراجع بعد ذلك. وضع الفريق منحنى لنضوب النفط، وذكر أن هذا المنحنى يقوم على جميع المعلومات المتاحة عن احتياطي النفط. ويبدو بصورة قوية أن هذه التوقعات لا تزال سارية الى اليوم. إذا جرت الأمور حسب المتوقع، فهذا يعني أن المستهلكين سيطلبون منا نحن السعوديين زيادة انتاجنا ليبلغ على الأقل ضعف الانتاج الحالي بعد سنوات من الآن. هل الاحتياطي أو احتياجات الاقتصاد المحلي تبرر هذا القدر من الانتاج؟ الجواب أقرب إلى النفي. ماذا عن الدول الرئيسة في تصدير النفط؟ المعلومات المتاحة الآن لا تشير إلى قدرة تلك الدول على زيادة انتاجها أكثر من بضعة ملايين برميل يوميا، جزء كبير منها سيذهب للاستهلاك المحلي. تبدو الصورة متشائمة. وهنا نتذكر ما قاله الملك عبدالله قبل سنوات، بما معناه أن الطفرة النفطية قد انتهت ويجب علينا جميعا التعود على اسلوب حياة مختلف. ولكنها الآن طفرة وتعود بصورة جديدة. وبالله التوفيق. @ دكتوراه في الاقتصاد