سبب إقدام أبوين من أصل أفغاني على قتل بناتهما المراهقات الثلاث في "جريمة شرف" صدمة عنيفة في دولة تفخر باحترامها للتعدد الثقافي. كما أثارت الجريمة نقاشا لا ينقطع حول اندماج وانصهار المهاجرين في المجتمع الكندي. وفي المحاكمة التي حظيت بالمتابعة على نطاق واسع، تمت إدانة محمد شفيع، بقتل بناته الثلاث وزوجته الأولى. ومن بين الذين شملهم قرار الإدانة بالقتل مع سبق الإصرار والترصد ابن شفيع حامد وزوجة شفيع الثانية توبة محمد يحيى. وصدر الحكم أمس الإثنين بالسجن مدى الحياة على المدانين الثلاثة. وقال القاضي روبرت مارانغر" من الصعب تصور جريمة أكثر حقارة وشناعة وخسة من هذه الجريمة". وأضاف أن "مفهومهم الملتوي تمامًا عن الشرف ليس له موضع في أي مجتمع متحضر". وتعيش الأسرة في مونتريال ولكن المحاكمة جرت في كينغستون باونتاريو. وتشير صحيفة الاتهام إلى أن القتلة قاموا بإغراق الضحايا داخل سيارة تم العثور عليها في قاع قناة مائية في 30 يونيو 2009، في جريمة شرف. وتشير تقديرات الأممالمتحدة إلى أن 5000 آلاف جريمة ترتكب حول العالم كل عام. واستمعت هيئة المحلفين إلى أن جريرة البنات الثلاث وهن زينب(19 عاما) وسحر (17 عاما) وغيتي ( 13 عاما) هي أنهن ارتدين تنانير قصيرة وكن يتصلن بأصدقاء من الذكور. زواج ليوم واحد وكان شفيع، وهو رجل أعمال يبلغ من العمر 57 عامًا، قد هاجر من موطنه إلى كندا برفقة أولاده السبعة وزوجته الثانية في عام 2007. ووصلت زوجته الأولى وتدعى رونا أمير محمد بعده بعدة أشهر. ونظرًا لأن تعدد الزوجات ممنوع في كندا فقد تم تقديمها لسلطات الهجرة الكندية على أنها خالة الأولاد. وفي الشهور التي سبقت قتلهن، قالت الشقيقات الثلاث للباحثين الاجتماعيين ومعلميهن والشرطة أنهن يتعرض لإساءة معاملة شفهية وجسدية بالمنزل. وقالت زينب إنها كانت تتعرض للحبس المطول في غرفتها وتمكنت من الهرب إلى مأوى للنساء المعنفات منذ شهرين قبل قتلها. وكانت سحر تذهب إلى المدرسة وعلى ذراعيها آثار خدوش وجروح وحاولت الانتحار بابتلاع أقراص طبية. وسجل مسؤولو الرعاية الاجتماعية زيارة لمنزل الأسرة ولكنهم لم يسعوا لإبعاد البنات عن الأسرة، فيما يبدو لخوف البنات عن ترديد شكاواهن أمام ذويهن. وقبل خمسة أسابيع على قتلها، تزوجت زينب من صديقها بمسجد في مونتريال. وتم فسخ الزواج في اليوم التالي بضغوط من أبويها. •النزهة القاتلة ونفى الأب تهمة القتل وقال إن زينب أخذت شقيقتيها ومعهما "الخالة" في نزهة بالسيارة بينما كان بقية أفراد الأسرة نياما في فندق على طريق العودة من شلالات نياغرا إلى مونتريل وأنهن ربما تعرضن لحادث. غير أن الشرطة اشتبهت على الفور في وجود جريمة خاصة بعد أن عثرت في مسرح الجريمة على قطع من الأنوار الأمامية لسيارة شفيع وأن التلف في مقدمة السيارة يطابق التلف في مؤخرة السيارة التي غرقت وبداخلها جثث الضحايا الأربع. وخلص التشريح إلى أن النساء الأربع توفين غرقا، غير أن الشرطة اشتبهت في أنهن قتلن قبل استقرار السيارة في قاع القنال خاصة وأن الجثث كانت متكدسة بطريقة لا يتبين منها من كان يقود السيارة. وأفادت الشرطة بأنهن لم يكن يستخدمن أحزمة الأمان وكانت النافذة على باب السائق مفتوحة بالكامل وأن وضع الجثث لا يوحي بأن أي واحدة من الضحايا حاولت الخروج من السيارة التي غرقت إلى عمق مترين. أدلة مرعبة و كانت الأدلة التي تم التوصل إليها تثير رعدة خوف في النفوس.، خاصة الأحاديث التي تمكنت الشرطة من الاستماع إليها بعد زرع جهاز تنصت على سيارة شفيع. فقد استمعت الشرطة إلى شفيع وهو يقول في حديث له مع ابنه حامد وزوجته الثانية توبا وهما معه داخل السيارة،"لقد كنّ خائنات من البداية وحتى النهاية. لقد خنّ الإنسانية وتقاليدنا وأعرافنا.. بل وكل القيم." وقال في محادثة أخرى وهو يتحدث غاضبا إلى توبة،" حتى إذا عدن إلى الحياة مرة أخرى مئات المرات، وإذا كان لدي ساطور في يدي فإني سأقطعهن إلى قطع المرة تلو الأخرى، لأنهن تصرفنّ تصرفا مشينا تجاهي وتجاهك" وفي محادثة ثالثة قال مشيرا إلى ابنته زينب،"هل هكذا ينبغي أن تتصرف الابنة كما لو كانت ساقطة؟". غير أن شفيع ادعى وهو يقف على منصة الشهود أن نوبات غضبه تلك مردها إلى صور لبناته عثر عليها بعد وفاتهن وهن يرتدين تنانير قصيرة. ولكن عندما سأله المدعي العام عما إذا كان يعتقد أن تصرفات بناته ترقى إلى حد أنهن يستحقنّ القتل، أجاب شفيع بنعم. وأتى هذا الرد كصدمة قوية للعديد من اللذين يتابعون المحاكمة: هل يوجد أب يعتقد جازما بأن بناته يستحققن القتل؟! ويقول الشاهد الخبير شاهر زاد وجاب، الأستاذ بجامعة تورنتو، إن المجتمع الذكوري ينظر إلى جرائم القتل على أنها طريقة للتخلص من العار الذي تجلبه المرأة لأسرتها، مشيرا، إلى أن حتى "الشائعة" تكفي لقتل المرأة الشابة. ودفعت المحاكمة العديد من المنظمات الإسلامية في كندا إلى شجب جرائم الشرف في مناسبتين، باعتبارها انتهاك صريح لتعاليم الإسلام. وكان تقرير قد أشار إلى أن اثنتي عشرة امرأة ذهبن ضحايا لجرائم الشرف في كندا بين عامي 2002 و 2010. وفي إحدى القضايا التي حظيت بتغطية واسعة النطاق، تمت إدانة محمد بيويز بتهمة خنق ابنته أقصى البالغة من العمر ستة عشر عامًا حتى الموت لرفضها ارتداء الحجاب، أو الزي الباكستاني التقليدي الخاص بالنساء ولأنها كانت تخرج مع فتيات لسن من جنسيتها. واعترف ابن برويز (29 عاما) أيضا بالاشتراك في الخنق. وعندما سألته زوجته الثكلي وهي تغالب دموعها عن سبب قتله لابنتهما، أجاب برويز قائلا، " سيقول مجتمعي إنني فشلت في السيطرة على ابنتي وهذه إهانة. لقد عرتني أمام الجميع." ومثلما فعلت قضية برويز، فقد أثارت محاكمة شفيع العديد من الشكوك حول سياسة تعدد الثقافات التي تنتهجها كندا منذ أربعين عاما. ويحاجج البعض بأن الاندماج في القيم الكندية أخذ يحتل المقعد الخلفي للتسامح وتقبل الفوارق الثقافية، مستشهدين بذلك بالباحثين الاجتماعيين الذين زاروا منزل شفيع ويتهمونهم بأن الحساسيات تجاه الفوارق الثقافية أعمت أعينهم عن رؤية إساءة المعاملة التي تعرضت لها البنات. وقامت الحكومة المحافظة التي تتربع على سدة السلطة في كندا مؤخرا بمراجعة "دليل المواطنة الكندية" قائلة إن "الانفتاح والتسامح لا يشملان إساءة معاملة الزوجات، وجرائم الشرف، وخفاض الإناث والزواج القسري وغيرها من التجاوزات على أساس الجنس تذكيرا وتأنيثا. وفي الواقع، بات كثيرون يشيرون إلى العنف ضد النساء على أنه العنصر الرئيس الذي بات يؤثر على الثقافة العامة في كندا. ففي إقليم اونتاريو وحدهن تم تسجيل 230 جريمة قتل ذات صلة بالعنف المنزلي خلال الفترة بين عامي 2002 و2007 ، تضمنت قتل 172 امرأة و23 طفلا و65 رجلا.. وعمد جميع أولئك الرجال، عدا 13 منهم، إلى الانتحار بعد قتلهم زوجاتهم أو أطفالهم.