أومأت برأسها وقالت "نعم" للشيخ الذي عقد قرانها على عريس يكبرها ب15 سنة. إنها "آمنة" ابنة العاشرة التي تجلس غير آمنة على مقعدها الدراسي في الابتدائية الثالثة بالثقبة. وتقول "أمي قالت لي إن العريس سيأخذني إلى البقالة وسيشتري لي كل ما أريد". تواجه الطفلة آمنة يومياً أسئلة الزميلات والمعلّمات حول ترتيبات الزواج التي بدأت فعلياً بعقد القران قبل أيام. وفي الفصل الدراسي تستمع لشرح مادة القراءة، لكن فكرها خارج الفصل، وداخل "المريول" الأزرق تسرح بفكرها إلى حيث يسير قدرها مع العريس البالغ 26 عاماً. سألتها ما الذي تعرفينه عن الحياة الزوجية؟، فكانت إجاباتها المرتبكة تعبّر عن براءة غضة لا تعي شيئاً سوى ما عرفته من والديها، وأنها بعد شهرين ستُزفّ إلى شاب يكبرها بأكثر من 15 عاماً. "آمنة" تروي قصتها: "والدي يرغب في تزويجي، وقبل أيام قال لي: سيأتي شخص إلينا اليوم.. وسيتقدم لخطبتك فوافقي". وتضيف "قال إنه سيزوجنا أنا وشقيقاتي ونحن صغيرات لأن ذلك أفضل لنا". على مقعدها الدراسي تجلس "آمنة" غير آمنة على مستقبلها الذي سيقتلعها، بعد شهرين، من مقعد الخامس الابتدائي إلى بيت الزوجية. هذه هي القصة ببساطة، وذات السنوات العشر تواجه يومياً أسئلة الزميلات والمعلّمات حول ترتيبات الزواج التي بدأت فعلياً بعقد القران قبل أيام. تحت هذه الضغوط, تستمع آمنة لشرح مادة القراءة، لكن فكرها خارج الفصل، وداخل "المريول" الأزرق تسرح بفكرها إلى حيث يسير قدرها مع العريس البالغ 26 عاماً. سألتها ما الذي تعرفين عن الحياة الزوجية؟، فكانت إجاباتها المرتبكة تعبّر عن براءة غضة لا تعي شيئاً سوى ما عرفته من والديها، وأنها بعد شهرين ستُزفّ إلى شاب يكبرها بأكثر من 15 عاماً. التقيت آمنة في الابتدائية الثالثة بالثقبة، حيث تقول مديرتها "ليس من شأن إدارة المدرسة أن تتدخل فيما تمر به الطالبات من ظروف حياتية أو إنسانية أو عنف أسري". اقتربت من الطفلة الجالسة شابكة أصابع يديها لتحكي قصتها: "والدي يرغب في تزويجي، وقبل أيام قال لي: سيأتي شخص إلينا اليوم.. وسيتقدم لخطبتك فوافقي". تضيف "قال إنه سيزوجنا أنا وشقيقاتي ونحن صغيرات لأن ذلك أفضل لنا". من دون أن تعرف معنى "أفضل لنا". وافقت آمنة.. وقالت "نعم". فهي لم تخالف أوامر والديها منذ صغرها. "وهذا من ضمن أوامرهما". أضافت: "قالت والدتي إن زوجي سيذهب بي إلى البقالة وسيشتري لي كل ما أريد". كان يبدو على ملامح الصغيرة أنها تكرّر ما قيل لها، وهي لم تتأكد أنها تزوجت بالفعل إلا حين راحت الزميلات والمعلمات يتناقلن الموضوع ويطرحن الأسئلة أمامها في المدرسة.. "شعرت أني أختلف عنهن وأنهن سيعشن حياة أسعد مني وسيصبحن معلمات وطبيبات، أما أنا فلا أعرف مصيري". عقد القران تتذكر آمنة تلك الليلة التي طلب منها أن تقول "نعم" فقط وأن تومئ برأسها بالإيجاب حينما يدخل "الشيخ", وهو "خال العريس" ليسألها "هل أنت موافقة..؟". تتابع بخجل:"لم أشأ أن أخالف والدي وسمعت كثيراً بعد أن وافقت على عقد القران أني صغيرة السن على الزواج.. كانت تتمنى أن تكبر أكثر لتصبح "معلمة مثل معلمتي سلمى". آمنة هي كبرى شقيقاتها الخمس, يعيشون في منزل متواضع بحي الثقبة، ويسكن معهم خالهم. فهل هي الظروف المادية التي دفعت إلى هذا الزواج المبكّر جداً؟. أنا المسؤول لدى والد آمنة وجهة نظر أيضاً، إذ قال إنه مقتنع تماماً بقراره : "أخاف عليها من العنوسة".. كثيرات يرفض آباؤهنّ تزويجهنّ فيضيع نصيبهن, هذا القرار يرجع لي ويعتبر من خصوصيات أسرتي وليس للرأي العام وليس لحقوق الإنسان أي شأن في ذلك". أما والدتها فتبرر القرار بأن :"عاداتنا وتقاليدنا تقبل بتزويج الفتيات صغيرات"، ولكنها تتمنّى "تأجيل الزفاف عامين"، لكن هذا التمني مرتبط بموافقة الزوج. نضج الزوجين مطلب القاضي في المحكمة العامة بالجبيل الشيخ فيصل الفوزان يقول "المصلحة العامة تقتضي ألا يتم الزواج إلا بنضوج الزوجين، إلا أن الأصل شرعاً في تزويج القاصرات هو الجواز، ولا ينفع قبل البلوغ تخيير الطفلة بتزويجها من عدمه، وإن كان لابد من سؤالها.. إن صحة عقد القران على الطفلة من عدمها يرجع حسب تقدير الضرر في الزواج من عدمه، ويرجع إلى القضاء الذي يحدد صحة العقد من عدمها في حال أن الطفلة لم تصل سن البلوغ بعد". وسألناه عن تبيان الضرر فقال "يصعب حصره ويختلف من حال إلى أخرى". وأضاف "لا يوجد في الشرع سن محددة لا يسمح تعديها أو التقدم عليها.. المجال متروك للاجتهاد من الحاكم الذي يجتهد أو من ينوب عنه وهو القاضي بعد المناقشات والتأكد من الحالة". لكنه يؤكد أن "لا بد أن يُسمع رأي الطفلة ورأي والدتها وكل من له مساس بالعقد ويحدد الحاكم هل يوجد مصلحة أو ضرر، و إذا وُجد الضرر فالضرر بالشرع يُدان و لا يُقر". اغتصاب الأجساد لكن المستشارة الاجتماعية والنفسية فائقة الإدريسي ترى أن "تزويج الأطفال قبل بلوغهن اغتصاب لأجسادهن"، هذا الرأي تبينه على فرضية أن الزواج المبكر جداً "يتسبب في حرمان الصغيرات من الطفولة"، و"الطفلة حينما تنجب في سن صغيرة تشعر بالحرمان بسبب متطلباتهم، وقد تتحول إلى أمّ عدائية لكونها تشعر بالحرمان"، وحين يتم تطليقها فإن ذلك يسبب ضرراً نفسياً على طفلة تجد نفسها مطلقة وهي مازالت طفلة، فضلا عن بناء خلايا أسرية مزعزَعة تُكوّن مجتمعاً غير متماسك، ويخرّج أفراداً غير أسوياء متأثرين بمشكلاتهم الأسرية".وتشير الإدريسي إلى أن "أهم دافع لتزويج الطفلة هو المستوى الاجتماعي وقبضة الفقر على أسرتها، فيجبر والدها على تزويجها متجاهلاً ما يسببه هذا القرار من حرمان وتحديد مصير لابنته الطفلة واغتصاب طفولتها وحرمانها من حقها في الحياة بمراحلها العمرية الطبيعية". حماية الطفل وينبّه المحامي عايض العبد الكريم إلى "أن تحديد المصير والتزويج لابد أن يتم بعد البلوغ، وينص القانون على حماية الطفل، وأن ثمة معاهدات وقّعت عليها المملكة في هذا الشأن، وأن القاصر يحدد في القانون بمن هو أقل من 18 سنة، وفي الشرع يحدد بالبلوغ، وفي الشرع والقانون في أحكام البيع والتنازل والميراث يعتبر ما قبل 18 عاماً قاصراً".