من خلال التجربة في الإصلاح بين الزوجين، وبعد نظرة فاحصة إلى السبب الأكثر شيوعاً في وقوعات الطلاق تبين لي الحاجة الماسة إلى بيان السبب الذي ربما أن القارئ الكريم لأول مرة يسمع هذا المصطلح وهو التخبيب والذي يمكن إيضاحه من قول رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا» [أخرجه أبو داود وصححه الألباني] فجعل المخبب الذي يفسد الحياة الزوجية خارجاً عن تعاليم الإسلام، بعيداً عن شريعة نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، وتخبيب الزوجة وإفسادها يكون بذكر مساوئ الزوج كما قاله أبو الطيب في كتابه عون المعبود شرح سنن أبي داود لأن عقد الزواج من أوثق العقود وأهمها ولذلك سماه الله ميثاقاً غليظا فقال تعالى { وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا } والتخبيب يمارس من قبل الأسر في أغلب الأحيان بالمقارنة بين أزواج الأخوات أو البنات فأحدهم ربما كان يأتي إليهم بالهدايا والحلويات والأعطيات والآخر لا يأتي بشي أو يأتي بشيء يسير لا يكاد يذكر مقارنة بغيره فيحمد ذلك الرجل وزوجته ويثنى عليهما ويذم الرجل الآخر الذي لا يأتي بشيء وهذا الذم يُصب في أذن زوجته ومن ثمَّ تكرهه وربما طلبت الطلاق وحدث الفراق من نتاج ذلك، وفي وقتنا الحاضر حدث إفساد المرأة على زوجها لعدم إحضاره لها جوال جديد، أو فستان آخر صيحات الموضة، ولا حول ولا قوة إلا بالله. وقد قيل إنه كان لأبي مسلم الخولاني رحمه الله امرأة صبيحة الوجه فأفسدتها عليه جارة له فدعا عليها وقال: اللهم أعم من أفسد علي امرأتي فبينما المرأة تتعشى مع زوجها إذ قالت: انطفأ السراج ؟ قال زوجها: لا فقالت: فقد عميت لا أبصر شيئا فأخبرت بدعوة أبي مسلم عليها فأتته فقالت: أنا قد فعلت بامرأتك ذلك وأنا قد غررتها وقد تبت فادع الله يرد بصري إلي فدعا الله وقال: اللهم رد بصرها فرده إليها. [ذكرها ابن حبان في صحيحه قال شعيب الأرنؤوط : إسناده جيد] ولما للتخبيب من مفاسد عظيمة في خلخلة الأسر وتفكيك المجتمع، فقد ماثل المخبب الشيطان في فعله وشابهه في إفساده من هذا الجانب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله "فسعي الرجل في التفريق بين المرأة وزوجها من الذنوب الشديدة؛ وهو من فعل السحرة؛ وهو من أعظم فعل الشياطين". وقد جاء عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ قَالَ الرسول صلى الله عليه وسلم «إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا فَيَقُولُ مَا صَنَعْتَ شَيْئًا قَالَ ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ قَالَ فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ نِعْمَ أَنْتَ قَالَ الْأَعْمَشُ أُرَاهُ قَالَ فَيَلْتَزِمُهُ» [أخرجه مسلم] والتخبيب يفضي إلى هجر الزوجة فراش زوجها ومن ثم تلعنها الملائكة فقد قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «إِذَا بَاتَتْ الْمَرْأَةُ مُهَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتْهَا الْمَلَائِكَةُ حَتَّى تَرْجِعَ» [أخرجه البخاري] وفي الحديث الآخر قَالَ الرَسُولُ صلى الله عليه وسلم «وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا مِنْ رَجُلٍ يَدْعُو امْرَأَتَهُ إِلَى فِرَاشِهَا فَتَأْبَى عَلَيْهِ إِلَّا كَانَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ سَاخِطًا عَلَيْهَا حَتَّى يَرْضَى عَنْهَا» [أخرجه مسلم] أو يفضي التخبيب إلى طلب الزوجة الطلاق من زوجها دون سبب مسوغ وقد جاء الوعيد في ذلك فعَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ» [أخرجه أبو داود وصححه الألباني]. فلنتقي الله جل وعلا في ألسنتنا؛ وما نقوله لغيرنا؛ بعيداً عن الإفساد بين الناس وخاصة الزوجين، ففي إفساد الأسرة إفساد المجتمع، وإذا فسد المجتمع حصل ما لا يحمد عقباه، والله الموفق؛ والهادي إلى سواء السبيل.