نبه المستشار والخبير في القضايا الأسرية، المحامي ريان مفتي إلى أن الطلاق وإن كان في أصله بغيضاً إلا أن بين الفقهاء من اعتبر منه واجباً ومحرماً ومكروهاً ومباحاً. وفصل ذلك مفتي في المحاضرة التي ألقاها أخيراً في مكةالمكرمة عن «الأهوال والأحوال الشخصية» بحضور جمهور واسع من النساء. وقال: «اختلفت آراء الفقهاء في حكم الطلاق والأصح من هذه الآراء رأي الذين ذهبوا إلى حظره إلا لحاجة، وهم الأحناف والحنابلة واستدلوا بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لعن الله كل ذواق مطلاق». ولأن في الطلاق كفراً لنعمة الله فإن الزواج نعمة من نعمه وكفران النعمة حرام فلا يحل إلا لضرورة، ومن هذه الضرورة التي تبيحه أن يرتاب الرجل في سلوك زوجته، أو أن يستقر في قلبه عدم اشتهائها، فإن الله مقلب القلوب فإن لم تكن هناك حاجة تدعو إلى الطلاق يكون حينئذ محض كفران نعمة الله وسوء ادب من الزوج فيكون مكروهاً محظوراً. وخصص قول الحنابلة بتفصيل: «فعندهم قد يكون الطلاق واجباً وقد يكون محرماً وقد يكون مباحاً وقد يكون مندوباً اليه. فأما الطلاق الواجب فهو طلاق الحكمين في الشقاق بين الزوجين إذا رأيا أن الطلاق هو الوسيلة لقطع الشقاق. وكذلك طلاق المولى بعد التربص مدة اربعة اشهر لقول الله تعالى: «للذين يؤلون من نسائهم تربص اربعة اشهر فإن فاؤوا فان الله غفور رحيم. وإن عزموا الطلاق فإن الله سميع عليم» (البقرة: 125-126). وأما الطلاق المحرم: فهو الطلاق من غير حاجة إليه، وإنما كان حراماً، لأنه ضرر بالزوج نفسه وضرر بزوجته وإعدام للمصلحة الحاصلة لهما من غير حاجة اليه فكان حراماً مثل إتلاف المال، ولقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا ضرر ولاضرار». وفي رواية اخرى ان هذا النوع من الطلاق مكروه لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ابغض الحلال إلى الله الطلاق». وفي لفظ: «ما أحل الله شيئاً ابغض اليه من الطلاق» وإنما يكون مبغوضاً من غير حاجة اليه، وقد سمّاه النبي صلى الله عليه وسلم حلالاً، ولأنه مزيل للنكاح المشتمل على المصالح المندوب إليها، فيكون مكروهاً». وأما الطلاق المباح فهو عند الحنابلة «فإنما يكون عند الحاجة اليه، لسوء خلق المرأة وسوء عشرتها والتضرر بها من غير حصول الغرض منها»، بينما يعتبر مندوباً في حال «الذي يكون عند تفريط المرأة في حقوق الله الواجبة عليها مثل الصلاة ونحوها ولا يمكنه اجبارها عليها او تكون غير عفيفة. قال الإمام احمد رضي الله عنه لا ينبغي له امساكها، وذلك لأن فيه نقصاً لدينه ولا يأمن إفساده لفراشه وإلحاقها به ولداً ليس هو منه، ولا بأس بالتضييق عليها في هذه الحال، لتفتدي منه قال الله تعالى: (ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما أتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة) النساء الآية 19. وحول لماذا استقر رأي الأغلبية على كراهة «الطلاق» بالجملة، يشير مفتي إلى أن ذلك يعود لأسباب أبرزها «أن استقرار الحياة الزوجية غاية من الغايات التي يحرص عليها الإسلام، وعقد الزواج إنما يعقد للدوام والتأييد إلى أن تنتهي الحياة، ليتسنى للزوجين أن يجعلا من البيت مهداً يأويان إليه، وينعمان في ظلاله الوارفة، وليتمكّنا من تنشئة أولادهما تنشئة صالحة. ومن أجل هذا كانت الصلة بين الزوجين من أقدس الصلات وأوثقها. وليس أدل على قدسيتها من أن الله سبحانه سمى العهد بين الزوج وزوجته بالميثاق الغليظ فقال: (وأخذن منكم ميثاقاً غليظاً) النساء آية 21. وتابع: «وإذا كانت العلاقة بين الزوجين هكذا موثقة مؤكدة، فإنه لا ينبغي الإخلال بها، ولا التهوين من شأنها. وكل أمر من شأنه أن يوهن من هذه الصلة ويضعف من شأنها، فهو بغيض إلى الإسلام لفوات المنافع وذهاب المصالح كل من الزوجين. فعن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أبغض الحلال إلى الله عز وجل الطلاق». وأي إنسان أراد أن يفسد ما بين الزوجين من علاقة، فهو في نظر الإسلام خارج عنه، وليس له شرف الانتساب له. يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «ليس منا من خبب (أفسد) امرأة على زوجها». والإسلام ينهي عن ذلك أشد النهي، فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا تسأل المرأة طلاق أختها لتستفرغ صحفتها ولتنكح فإنما لها ما قدر لها». والزوجة التي تطلب الطلاق من غير سبب حرام عليها رائحة الجنة. فعن ثوبان أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «أيما امرأة سألت زوجها طلاقاً من غير بأس، فحرام عليها رائحة الجنة». وأما من يصح منه الطلاق، فنقل مفتي اتفاق العلماء على أن «الزوج العاقل البالغ المختار هو الذي يجوز له أن يطلق وأن طلاقه يقع. فإذا كان مجنوناً أو صبياً أو مكرهاً، فإن طلاقه يعتبر لغواً لو صدر منه، بينما للعلماء آراء مختلفة في طلاق «طلاق المكره والسكران والهازل الغضبان والغافل والساهي والمدهوش». يذكر أن مفتي نفى أن يكون في الإسلام شيء اسمه «بيت الطاعة» الذي تأخذ به دول إسلامية وغربية، وقال: «لا يوجد في الشريعة والإسلام شيء اسمه بيت الطاعة، وهو مصطلح وضعي غير شرعي طبّقته بعض الدول الغربية والعربية التي قننت نظام الأحوال المدنية في الستينات من الميلاد، واستبدلته أخيراً بنظام الخلع الشرعي، لما وجدته من ظلم وتجاوز في حقوق الزوجة، أما في الإسلام فلم يعط ديننا الحنيف الحق للزوج في غصبها، وإلزامها بالعودة لمنزل الزوجية مكرهة، بل أعطى لها الحق في العودة طواعية، أو مخالعته إذا كرهت العودة كما حدث مع زوجة ثابت أبن قيس رضي الله عنه».