قبل أن أبدأ كتابة مقالي أتقدم بأحر التحايا والمواساة للطفلة رهام وأهلها , سائلاً الله أن يجبر مصابهم ويعينهم ويقتص لهم ممن تساهل واستهتر في صحة المواطن وحياته فهو العدل سبحانه. ترددت كثير قبل كتابة كلماتي هذه حين كان الشارع محتقنا وكانت التهم ترمى جُزافًا دون مصادرِ موثوقةِ أو رسمية. فقررت أن أنتظر الرد الرسمي من الوزارة فأضمه لردود الفعل والأخبار في ساحات شبكات التواصل الاجتماعية لتكتمل الصورة ويمكن الحكم في الأمر. لمن لا يعلم بكامل تفاصيل الفاجعة فالأمر حتى وقت كتابة هذا المقال هو : "أن فتاة تدعى رهام كانت بحاجة إلى نقل دم في مستشفى جازان العام (حيث حدثت الفاجعة)، وبسبب استهتار فني المختبر ببنك الدم فقد قُبِلَ تبرعٌ من (مريض إيدز) دون الكشف على سلامة الدم المنقول. فأنتقل المرض إلى الفتاة -أجارها الله في مصيبتها وأعانها-. فعلم الوزير بالأمر وفور وصوله من مطار جدة قادما من مهمة عمل نظم رحلة عاجلة وأتصل بمدير مستشفى جازان العام من المطار ليلتقي بأهل الفتاة ويقف بنفسه على تلك الفاجعة, وفي طريقه لها قرر أن يهديها (هدية زائر لمريض) وبعد استشارة من هم برفقته في ما تتمناه الفتاة قرر إهداءها جهاز (آي باد يحمل في داخله القرآن الكريم), ولم يعلن القسم الإعلامي بالوزارة عن أن ذلك كان تعويض للفتاة ولكن الأمر تُدُول في ساحات التواصل الاجتماعية حيث مثار انتقاد الكثير وتهكمهم" . تعالت الأصوات والنداءات والمطالبات بإقالة الوزير وإدراك وزارة الصحة فقد وصلت "للحضيض" حسب زعم البعض , فئة آخرى كان لها إنتقاد حاد لما حدث ولكنهم كانوا يبرءون ساحة الوزير من أن تكون تلك الفاجعة ذات علاقة به شخصيا, وأن الأمر كان خطأ موظف لا خطأ الوزير, وطالبوا برفع تقرير يفيد بما حدث وطالبوا أيضا بأشد العقوبات في حق الموظف المستهتر. صدرت القرارات بعد أيام قليلة على غير العادة, فلم ينتظر فيها (للجنة تحقيق تدوم أشهرا ولا محققين ينبشون في ثنايا تلك الفاجعة) كانت القرارات تقتضي "تطبيق (أعلى العقوبات في النظام) على كل من كان له يد في الاستهتار بأنفس المرضى، بدءً بمدير المستشفى وانتهاءً بفني المختبر مع سحب ترخيص مزاولة المهنة من الفني. القرار شمل فصل سبع موظفين وإغلاق التبرع ببنك الدم في مستشفى جازان العام وإحالة موضوع المتبرع المصاب للجهات المختصة لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحقه. كل هذا كان في ايطار الحق العام, وفي الجانب الخاص أحيلت القضية إلى الهيئة الصحية الشرعية بمنطقة جازان لتعويض الفتاة وأهلها عن ذاك الخطأ الجسيم فهم أهل الاختصاص لا وزارة الصحة". هنا ومن وجهة نظري كمحايد في القضية وبناءً على ما سبق. أجد أن الوزير أقتص لرهام حقها بأشد مقص عقوبات أتاحه (النظام) ويبقى أمر التعويض في يد الهيئة الصحية الشرعية بجازان. وإن كان هناك من يرى أن العقوبات (لا تكفي) فملامته على النظام الذي وُجِد قبل تعيين الربيعة وزيرًا. والشهادة لله , فالوزير لم يُعلم عنه فسادٌ ولا تكاسلٌ ولا استهتار طوال مدة تعيينه (طبيبا ووزيرا), فقد شهد له بالأمانة والمثابرة والعمل الشريف ممن عملوا معه كوزير. وقد علمناه نحن جراحا مشرّفًا شَرّفَ الوطن في مجال عمله بخبرته ومهارته التي يشار لها بالبنان في العالم بأسرهِ, ولا ينكر ذلك إلا جاهل أو حاسد. ولكن -والشيء بالشيء يذكر- ,, الوزير لم يكن بقدر التوقعات المرسومة عنه والمرجوة منه, فهو لم يتستطع فصل الانحدار المخيف في منظومة الصحة في البلد. فوضع الصحة ليس بمطمئن فلا تجد شريرا في مستشفى ولا موعدًا إلا بالأشهر والسنين و(بعض) الأخطاء من موظفيها لا تغتفر. عطفا على تعثر عدد من المشاريع المنتظرة كالحزام الصحي وغيرها. فالربيعة لم يوفق كوزير يدير عجلة الصحة في البلد, وإن كان أمينًا ناصحًا مثابرًا شريفا. لا ألوم من انتقد الوزير في قضية رهام (وإن كنت أرى الخطاء ليس يخطئه) , ولا على من غضب حين ظهر الآي باد كتعويض (رخيص) لما حل بالفتاة, بل أشكر كل من وقف مع فتاة وطنه, وحامى عن حقها أن يسلب, وأكتوى حين خان أحدهم دينه وضميره ووطنه باستهتار لايغتفر. ولكن ملامتي على من كان أكثر دناءة ممن تسبب في مرض الفتاة, فاستغل قضيتها لمصالح وتصفيات شخصية بينه وبين وزير الصحة, ولم يهتم لأمر الفتاة بقدر اهتمامه أن الأمر قد يلصق بالوزير فاستغله. أي ضمير يحمل من تباكى على مصاب المسكينة ليصل لهدف شخصي يرجوه ؟!, وأي كرامة يملكها من حرف مسار القضية الإنساني لهدف أناني ؟! وأي قلب يملك من فرح بمصابها ليجد زلة قد يقحمها في عداء شخصي ؟!. نعم ,, أنا أول من يقول للوزير أنك لم توفق فتنحى عن المنصب لغيرك وكن ممن ينهج ثقافة النجاح أو التنحي, وليس عيبا أن لا تملك القدرة الكافية للقضاء على انحدار الصحة فقد سبقك لها الوزير غازي القصيبي –رحمه الله- من قبل وهو من أعظم الوزراء قيادة وإدارة ولم يجد التوفيق من الله فيها. فداءها عضال وغدتها السرطانية أكبر من مشرطك. عُد لنا كما كنت طبيبا جراحا أحببناه حين رفع اسم بلادنا في محافل شتى , قبل أن تتساقط أحجار ذاك البناء بمدافع الوزارة. لم نشك في امانتك أو مصداقيتك وننتظر منك أن تثبت فوق ذلك شجاعتك كطبيب زاول المهنة وعلم دهاليز الصحة فتزكي من تراه قادرا على قيادة سفينة الصحة لبر الأمان فقد أهلكنا تلاطم الأمواج العاتية من حولنا وألمنا غرق كثير من أحبابنا في بحر الغموض أو الانتظار. كتبه المواطن/ أمجد بن عبدالحميد السعيد