أوْدَع الله تعالى في مخلوقاته أسرارا عظيمة في الخَلق و الإِبداع و الإِتقان , و التي يُدرك بعضا منها أولُو الألباب , تدلُّ على إِلهَّيته و وَحدانيته في العبادة , و إن من هذه المخلوقات : الإنسان الذي استخْلفه الله في الأرض , وميَّزه على سائر المَخلوقات الأخرى بنعمَة عظيمة , ألاَ : و هي العقل الذي جعَله يتبوَّأ منزِلة رفيعة عند الله , قال تعالى : ( وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) 70, الإسراء ,فقامت عليه الحُجة بإِقامة شعائر الله , و لقد حثَّ الدين الإنسان على التفكّر و التدَبُّر في آيات الله و مخلوقاته الباهرَات و المعْجزة في الخَلق و الإبداع و الإتقان , و التي تدل على عظَمة الله ووحدانيته ,و جاء الكثير من الشوَاهد القرآنية التي تحث على التفكر والتدبُّر, قال عَز و جَل : ) إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ )190,آل عمران , و قال تعالى: (يُقَلِّبُ اللَّهُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِّأُولِي الأَبْصَارِ ) 44, النور , و قال جَل جلاله: (وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومُ مُسَخَّرَاتٌ بِأَمْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ ) 12 , النحل . ولا غَرابة في أن يهتزَّ كيان الإنسان العاقل, ويتأثّر إيمان المسلِم عن طريق المشاهدة العلمية, أو التفكر بعظَمة خلْق الله, فكلَّما تفكر الإنسان في بديع مخلوقات الله, أو شاهَد البراهين و الحقائق عن آيات الله عرَف الإنسان عظمة الخالق و قَدره. فكم من ضالّ بأسبابها اهتدى إلى الله ؟!و كمْ من مؤمن بأسبابها زاد إيمانه بالله ؟! و كم من مؤمن يخاف الله, و عن طر يقها زادَ خوفه, و بكَت عيناه ؟! و لو تأمَّل الإنسان الطبيعة لوجَدها صغيرها و كبيرها , الجماد فيها و الحَي كلها تدل على عظمَة الخالق , و تدل على قدْرة الله الذي أبدَع وأتقن خلقَها من إنسان ونبات وحيوان و طير وجماد استقرَّ بعضها على الأرض، و بعضها في السماء كالأكوان والنّجوم و الأفلاك و الكواكب و الشمس و القمر , و عوَالم لا يمكن للإنسان أن يراها , و ما الله به عليم , فهي منذُ أن خلقها , و هي تسير بانتظام دقيق محْكم , و لو تحرَّك كوكب , أو اقتربت الشمس قليلا لا خْتلَّ نظام الكون , و احترقتْ الأرض بمَن فيها . وفي هذا كله دعوة للتفكر و التَّأمُّل بالبصَر و إِحكام العَقل و البصيرة في صُنع الله، وبديع خلْقه الذي أحسَن كل شيء.