البشرى تسبق النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنوّرة تحمل نسائم النصر،وبشائر الفتح ،وترحل الفرحة على أجنحة الصّبا لتحطّ في أرض النجاشي ،فيرسل في طلب جعفر وصحبه وهم مازالوا يقيمون في الحبشة ،فيبشّرهم بنصرالله لرسوله صلّى الله عليه وسلم وصحبه ،ومقتل أئمّة الكفر من قريش،فيفرحون بنصر الله العزيز الحكيم ،وتؤنس وحشة غربتهم البشرى الطيبة،وتنهال الأخبار المذلة على أهل مكّة الذين اخرجوا نبيّهم ،وناصبوه العداء ،وارتحلوا لملاقاته، وهم ينوونها حربا تستأصل شأفة محمد وصحبه ،ولكن الله أراد وكان ما أراد ،وقدّر وكان ما قدّر، دون تواعد على موعد بين الرسول و قريش ،أولكنّ الله ساق أعداء نبيّه ودينه إلى حتفهم ،وأرى نبيّه مصارع المشركين ،وفي مكة التي تلقت صفعة الهزيمة المرّة يسارع أبو لهب إلى أحد العائدين من بدر، يستفسر عن سير المعركة ،وكيف كان امر النّاس؟فيسمع جوابا عجبا من ابن أخيه المغيرة بن الحارث{والله ما هو إلاّ أن لقينا القوم فمنحناهم اكتافنا ،يقتلوننا كيف شاءو ويأسروننا كيف شاءو،وأيم الله مع ذلك ما لمت النّاس،لقينا رجالا بيضا على خيل بلق بين السماء والأرض ،والله ما تليق شيئا ولايقوم لهاشيء}وكانت ملائكة الله ولكنهم لا يعلمون ولايؤمنون ولايعتبرون،ويهلك ابو لهب بعدها بليال معدودة ،وقد ذهبت نفسه حسرة على عتاة قريش وفراعنتها،وأنتن بدنه ،وظلّ ثلاث ليال لايقدر أحد على دفنه لنتن رائحته ،وكان موته امتدادا لانتصار رب العزّة المنتقم الجبّار لمن ظلم وأوذي ان يقول ربي الله. وقريش بعنجهيتها تتواصى بعدم النّواح ،حتى لا يشمت فيها محمد واصحابه،وترسل في طلب الفداء لأسراها،وترسل زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم بفداء لزوجهاأبو العاص ،وكان ما يزال مشركا وأسر في بدر ،ويرى النبي صلى الله عليه وسلّم مع الفداء قلادة لخديجة بنت خويلد كانت اهدتها لابنتها ،فيرق لها رقة شديدة ،ذاك هو الوفيّ الرؤوف الرحيم،فيقول لأصحابه { إن رأيتم ان تطلقوا لها أسيرها وتردّوا عليها الذي لها فافعلوا} وكيف لا يفعلون ياحبيب الله، وأنت لديهم أغلى من كنوز الارض، وأنت عليهم أحنى من كل من في الأرض،ويشترط عليه أن يسمح لها بالهجرة ،فتخرج زينب بنت رسول الله مهاجرة إلى حيث يقيم أبيها ،ويتبعها بعض المشركين وقد أنفوا ان تخرج بنت محمد علنا ،مهاجرة إلى أبيها ،فيضاف ذلاّ إلى ذلّهم، فيروعونها ،وترجع الى مكة ،ثم تهاجر بعد ليال خفية مع احد احماءها ،ويتسلمها زيد بن حارثة وأحد الصحابة ،ويوصلونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم . ويفرغ النبيّ صلى الله عليه وسلّم ليهود بني قينقاع ، وقد أحس منهم الغدر والخيانة، ويجمعهم في سوقهم مذكّرا إياهم بما في كتابهم من البشارة به نبيا ورسولا{يامعشر يهود،احذروا من الله مثلما نزل بقريش من النّقمة،وأسلموا،فإنّكم قد عرفتم أنّي نبيّ مرسل،تجدون ذلك في كتابكم وعهد الله إليكم،فقالوا يامحمد: إنّك ترى أنّا قومك ، لا يغرّنك أنك أنّك لقيت قوما لا علم لهم بالحرب ،فأصبت منهم فرصة أما والله لئن حاربناك لتعلمنّ أنّا نحن النّاس} وينزّل الله فيهم قرآنا على رسوله {قل للّذين كفروا ستغلبون وتحشرون إلى جهنّم وبئس المهاد ،قد كان لكم آية في فئتين التقتا فئة تقاتل في سبيل الله وأخرى كافرة} ،ويطمس الله على قلوب بني قينقاع فيبدؤون الحرب والتعدّي على حرمات الله،ويسيئون إلى الحرائر العفيفات ،ويقتلون مسلما قتل يهوديا، تولّى كبر تلك الإساءة لكرامة امرأة مسلمة ،وما تزال الإساءة إلى الحرائر ،والتعدّي على كرامة المؤمنات الطاهرات دين أعداء الله وديدنهم ،وهم يدركون ان أشد الأذى إحاقة بالقلوب المؤمنة ،والكرامة المسلمة ،إيذاء المسلمات العفيفات ،ويعلم الرسول صلى الله عليه وسلّم بفعلتهم،فيحاصرهم،ويضيّق عليهم الخناق، حتى ينزلوا على حكمه،وتبرز رؤوس النّفاق وتظهر ألوانه ،وتتضح معالمه ومراميه ،حين يقوم [عبد الله بن ابيّ بن سلول] زعيم المنافقين وحامل راية النّفاق،وكان حليف بني قينقاع من قبل فيقول:يامحمد أحسن في مواليّ،فلا يجيبه الرسول صلى الله عليه وسلم،فيمسك بدرع رسول الله ،فيقول له صلى الله عليه وسلم ارسلني،ويغضب حتى يعرف الغضب في وجهه الشريف،ويقول له مرة أخرى: ويحك أرسلني فيقول المنافق :لا والله لا ارسلك حتى تحسن في مواليّ،اربعمائة حاسر وثلاثمائة دارع، قد منعوني من الأحمر والاسود ،تحصدهم في غداة واحدة ،إني والله امرؤ أخشى الدوائر،ويتبرأ عبادة بن الصامت من حلفهم الذي كان له معهم قائلا:أتولى الله ورسوله والمؤمنين ،وأبرأالى الله من حلف هؤلاء الكفار،وولايتهم ،فينزل قول الله{يا ايها الذين امنو لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء ،بعضهم أولياء بعض ،ويشير الى نفاق ابن سلول{فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة ،ويعلنها الى يوم القيامة ،أن النّصر للذين يتولون اللهورسوله والمؤمنين{ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا فانّ حزب الله هم الغالبون}. ويرتحل بنو قينقاع مطرودين من المدينة المنوّرة ،يجرون أذيال الخزي والهزيمة الى اذرعات ،وقد باءو بغضب من الله ،وذلّة في الأرض ،ويسجل التاريخ أنّ كرامة امرأة مسلمةواحدة ،استحقت غضب الله ورسوله وتبرؤ المسلمين ممن اعتدى عليها ،ولو كانوا أحلافهم ومواليهم ،فكيف بنا اليوم وآلاف الحرائر تستغيث بكرامة الرجال وقدرة الزعماء واسلام المسلمين ولا من مجيب،وقد عاد اليهود بؤرة رجس وأذى يدنّسون الأقصى ويستلبون المقدّسات،فصبرا يهود إن موعدنا الصبح أليس الصبح بقريب {كتب الله لاغلبن أنا ورسلي } .