لم يكن الخطاب العاجل جداً قبل ثلاث سنوات الذي دق ناقوس الخطر مما قد يواجهه مستشفى جازان العام في أي لحظة نتيجة الإخلال باشتراطات السلامة والوقاية من الحريق، كافياً لتقوم إمارة المنطقة ووزارة الصحة ومديرية الدفاع المدني بواجبها لحفظ أرواح الأبرياء، وتجاهلت الأمانة العظيمة الملقاة على كاهلها، ما أجهز على 25 ضحيةً و123 مصاباً في كارثة قل مثيلها. في حريق جازان فجر اليوم ظهرت كل مؤشرات الفساد الإداري والمالي والإهمال وغياب الرقابة، ما عكس الواقع على كارثة لم تبدأ من اشتعال النيران ولم تنتهِ عند مخارج الطوارئ المقفلة، حين وجد الضحايا أنفسهم وسط ألسنة اللهب المتطايرة تحرق أجسادهم في الموقع الذي يفترض أن تحيطه ملائكة الرحمة وأجنحة الرعاية والاهتمام الفائقة.
الدفاع المدني يحذر منذ 3 سنوات: يظهر التقرير الذي انتشر خلال الساعات الماضية والمرسل من إدارة الدفاع المدني بمدينة جازان والذي يعود تاريخه إلى ما قبل ثلاث سنوات تقريباً، موجها إلى مدير مستشفى جازان العام ومعنون ب "عاجل جداً".
وكشف التحذير الذي تنبأ بالكارثة عن 22 ملاحظة ومخالفة لاشتراطات الأمن والسلامة، منها تعطل شبكة الإطفاء بالخراطيم ومضخة الحريق وشبكة الإنذار، ووجود عوائق أمام مسالك الهروب ومخارج الطوارئ، وعدم توفر اللوحات الإرشادية أثناء الطوارئ وعدم عزل غرفة الكهرباء وعدم توفير طفايات الحريق اليدوية.
كما كشف التقرير عن تسرب في المياه بغرفة تفتيش الكهرباء ما يسبب خطورة بالغة وكذلك عدم توفر نظام إطفاء بديل لبعض غرف الأشعة باهظة الثمن وعدم فصل أجنحة التنويم والأبواب في الممرات لتكون قطاع حريق مانعا لانتشار الدخان والحريق.. باختصار كان التقرير يقول إن المستشفى مهيأ تماماً لوقوع الكارثة في أي لحظة.
من المسؤول؟ في مطلع هذا الشهر كان أمير منطقة جازان محمد بن ناصر داخل أروقة هذا المستشفى وبرفقته قيادات المنطقة من وكلاء الإمارة ومسؤولي الشؤون الصحية والقطاعات الأمنية في زيارة لعدد من المرضى والمصابين، ولكن حين تجولوا خلاله وجالت أعينهم في تفاصيله هل أعاد المستشفى إلى ذاكرتهم عشرات التقارير والشكاوى التي تصلهم عن ما يعانيه من أخطار وملاحظات إدارية وفنية وطبية؟ ألم يعد إلى أذهانهم ما تناولته الصحف كثيراً حول ما يعانيه مراجعو هذا المستشفى في كل مرة؟
أسئلة الضحايا وهنا أسئلة أخرى يوجهها الضحايا للجهات المسؤولة التي ستتولى بنفسها التحقيق في الحادث وتنقلها "سبق" إليهم:
-إمارة جازان.. ألم يكن في غياب رقابتكم وانشغالكم عن المؤسسات الخدمية والطبية التي تمس المواطن في جازان سبب للتسيب الكبير داخل قطاعات المنطقة كافة، ومنها هذا المستشفى؟
- إمارة جازان.. ألم يكن لغياب هيبة الحاكم الإداري للمنطقة ممثلاً بالأمير ووكلائه وكبار القيادات دور في استمرار التلاعب في بعض الدوائر الحكومية حتى تكررت الحوادث والكوارث؟
-- إمارة جازان.. إلى أي درجة ستكون الشفافية في كشف تورط كافة الجهات في الحريق وإظهار مدى مسؤوليتكم في وقوع الحادث؟
- وزارة الصحة.. كم من الضحايا يلزمكم حتى توقفوا مهازل مستشفياتكم في جازان؟
- وزارة الصحة.. عشرات ملايين الريالات صرفتموها لبناء المستشفيات وعقود الصيانة ثم ماذا بعد؟ هل هذه هي جودة المشاريع التي تعالجون مرضانا فيها؟
- وزارة الصحة.. تقولون إن شعاركم "صحة المواطن أولاً".. ألا يعتقد الوزير ونوابه ومستشاريه الموقرين أن سلامة هذا المواطن داخل مستشفياتكم يجب أن تكون أولاً كذلك؟ بذات الاشتراطات العالية للأمن والسلامة في كبرى شركات الوطن مثل "أرامكو".
- وزارة الصحة.. هل يرضى قيادات وزارتكم أن يعالج أحدهم أو واحد من أقاربهم في مستشفى كارثي كهذا؟ غرق في البيروقراطية الإدارية الخانقة والأخطاء الطبية ثم احترق فجر اليوم!
- وزارة الصحة.. هذا المبنى عمره ست سنوات فقط، ألا يلفت نظركم أن كثيراً من منشآتكم الصحية قنابل موقوتة تفتقد اشتراطات الأمن والسلامة وتهدد حياة المرضى؟
- الدفاع المدني.. أين كنتم قبل ساعة الصفر ومنذ اكتشافكم لخطر هذا المستشفى في التحرك الحقيقي لمعالجة مخاطره؟
- الدفاع المدني.. لماذا لم تمارسوا صلاحياتكم في إيقاف هذا المستشفى البالغ في الخطورة حتى يتم تنفيذ اشتراطات السلامة حفاظاً على الأرواح والممتلكات؟
التحقيق والمحاسبة العاجلة مطلب من المنتظر لدى أهالي جازان خلال الساعات والأيام القليلة المقبلة أن تخرج نتائج التحقيق النهائية وأن توجه المسؤولية على الجهات المتورطة في الحادث بدءاً من إمارة المنطقة وصولاً إلى وزارة الصحة وحتى الدفاع المدني وكل من له يد في هذه الكارثة، وأن يتم كف أيدي كل من طالته التهمة كائناً من كان، وتحويلهم إلى القضاء لنيل الجزاء الأمثل جراء هذه الجريمة المرعبة التي تتجاوز ال148 ضحية لهذا الوطن الذي فجع فجراً بهذا الحدث الحزين.
حين أقسم المسؤولون أمام الملك سلمان خاطب الملك الشعب وشدد على "أن يؤدي المسؤولون كافة مهامهم خدمة لشعبنا، الذي لن أقبل التقصير في خدمته"، لقد كرر الملك كثيراً تحذيره من التهاون في خدمة المواطن أو تهديد أمنه وسلامته، والواقع اليوم أن المواطن قد تعرض للخطر وسيتعرض ما دام هناك مسؤول يفرط بالأمانة أو لم يعد هناك نفع من وجوده في منصبه، أو لم يحاسب على تقصيره.