أثارت فتوى الشيخ عبدالمحسن العبيكان بحق المرأة في السفر من دون محرم "إذا أمنت على نفسها وأن يستقبلها أحد محارمها لدى وصولها" انقساماً بين عدد من طلبة العلم والمشايخ في الكويت بين مؤيد ومعارض. وتركزت أدلة الرافضين للفتوى على حديث الرسول صلى الله عليه وسلم المحدد في هذا الشأن بحرمة سفر المرأة دون محرم، فيما أكد المؤيدون للشيخ العبيكان على انعدام العلة وهي الخوف عليها خلال السفر، وتساءلوا: لماذا يجيز البعض استقدام الخادمات من الخارج دون محرم؟. وطبقاً ل"الأنباء" الكويتية فقد رفض الدكتور بسام الشطي فتوى الشيخ العبيكان جملة وتفصيلاً مستنداً إلى حديث الرسول صلى الله عليه وسلم "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم" بالإضافة إلى وجود أحاديث صحيحة كثيرة، فضلاً عن آثار للصحابة رضوان الله عليهم وأقوال الأئمة وفتاوى العلماء. وأكد الشطي أن الأصل هو المحرم لتطبيق السنة ودرء المفاسد. واستشهد الدكتور الشطي بما رآه رأي العين أثناء سفره أكثر من مرة حيث يقول: في إحدى المرات كنت مسافراً بالطائرة في رحلة داخل المملكة من الدمام إلى جدة، وحدث أن تأخرت الطائرة في الجو لظروف طارئة، وعندها تبين حدوث العديد من المشاكل والعراقيل والصعوبات التي واجهتها السيدات اللاتي كن معنا على متن الطائرة، ومنها حالات إغماء وهلع شديد، وما صاحبه من صراخ أثناء الرحلة، ناهيك عن أن مقعد المرأة بجانب الرجل يعد مشكلة في حد ذاته بما قد ينتج عنه من مواقف غير مقصودة بسبب "نوم المرأة على الكرسي بجانب رجل أجنبي".
وأضاف الشطي: وفي موقف آخر أثناء سفري من القاهرة إلى الكويت حدث أن هبطت الطائرة بشكل إجباري في البحرين ورأيت مجموعة من الطالبات تعرضن إلى مضايقات، والمسألة ليست بسيطة.
أما الدكتور سعد العنزي فقال: هناك رأي فقهي يجيز سفر المرأة مع مجموعة من النسوة بشرط أن تكون الطريق آمنة. وفتوى العبيكان يناقضها رأي جمهور الفقهاء الذي ذهب إلى عدم جواز سفر المرأة إلا مع ذي محرم. والأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم الدالة على هذا الرأي المحرم لسفر المرأة كثيرة. وبصفة عامة فإن السفر ينطوي على الكثير من المشقة والمتاعب التي تلحق بالإنسان فكيف بالمرأة إذا ما سافرت دون محرم وكيف تواجه هذه المشقة بمفردها؟! وهناك من الفقهاء من ربط جواز هذا السفر مع النسوة على أن يكون ذلك في الحج فقط وأن يكون حجه فريضة.
وختم العنزي بأنه يرى أن التوسط بين الأمرين مهم وبخاصة أننا في زمن اختلفت فيه الأمور وتوسعت فيه الأحوال، لذلك أقول إنه يجوز للمرأة أن تسافر بمفردها في حالة الضرورة القصوى، ولتأدية فريضة الحج مع الكراهة والأولى الأخذ برأي الجمهور بعدم جواز السفر إلا مع ذي محرم.
ورداً على سؤال العبيكان: كيف تستخدمون الخدم دون محرم؟ قال العنزي: لا يجوز القياس بوجود الخادم لأنه ليس دليلاً.
وبدوره قال الدكتور طارق الطواري: من جعل النهي عن سفر المرأة بمفردها معللاً بالخوف عليها فإنه يتفق مع الشيخ العبيكان بأنه متى ما وجد الأمن مع رفقة صالحة واستقبال الأهل لها جاز لها السفر بمفردها، ومن لم يعلق الحكم بأي علة فإنه لا يتفق مع الشيخ العبيكان.
أما الدكتور جلوي الجميعة فأكد أن ما قاله الدكتور العبيكان جائز مع الضوابط التي نص عليها العلماء من شرط الصحبة الآمنة بوجود جمع من نساء مسلمات، واشتراط وجود الأمان أثناء السفر مع التزامها الحجاب الشرعي، وذلك لرفع الحرج عن الناس بما تقتضيه الظروف.
من جهته قال الدكتور يوسف الشراح: يقول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر فوق ثلاث إلا مع ذي محرم" والتقدير في السفر بالمسافة وليس الزمن، وهذا حديث يشير إلى حرمة سفر المرأة مسافة السفر وحدها دون محرم، ولا مانع أن يكون المحرم قد أتم 8 سنوات، كما أنه يجوز أن يكون المحرم كذلك هرماً كبير السن، فكما أن المرأة لا تنتفع من الرجل الكبير مع صلاحه كمحرم، فكذلك لا تنتفع من الصغير المميز مع صلاحه، ويعارض هذا الحديث حديث آخر قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم لعدي بن حاتم: "فإن طالت بك حياة لترين الظعينة ترتحل من الحيرة حتى تطوف بالبيت لا تخاف أحداً إلا الله"، ويعني ذلك أنها تخرج بلا محرم، ولم يحرم النبي ذلك، وهذا محل اختلاف بين الفقهاء، وسبب اختلافهم فيما أفتى به الدكتور عبدالمحسن العبيكان هو ذاته ما أفتت به هيئة الفتوى في وزارة الأوقاف الكويتية، وهو مذهب المالكية: إذا كانت المرأة في رفقة صالحة "والطائرة فيها رفقة"، كما أنه مذهب الشافعية في الحج والعمرة إذا كان أول مرة، ولا شك أن من أخذ بهذا القول أو ذاك له سلف، وإن كنا لا نحبذ سفر المرأة بلا محرم.
وبدوره قال رئيس لجنة الفردوس للزكاة والصدقات والدعوة والإرشاد التابعة لجمعية إحياء التراث الإسلامي سعود المطيري إنه لا يجوز أن تسافر المرأة مسافة ثمانين كيلومتراً فأكثر إلا مع ذي محرم، لقوله صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يومين إلا مع ذي محرم"، وهو ما يساوي ثمانين كيلومتراً تقريباً، لأن في سفر المرأة من دون محرم خطراً عليها من ناحية تعرضها للفتنة وطمع الرجال الفاسدين بها، كما أن المحرم يصونها ويحفظها، ولا فرق في ذلك بين السفر بالطائرة أو السيارة أو الدابة أو غير ذلك، لعموم النهي الوارد في الأحاديث، ولأن العلة موجودة، وهي الخوف عليها، واستشهد المطيري بقول الشيخ عبدالعزيز الفوزان: إن سفر المرأة بلا محرم لا يخلو من حالتين: الأولى: السفر في غير الحج الواجب، وفيه أقوال منها: الأول: نقل بعض أهل العلم الاتفاق على أن المرأة ممنوعة من السفر بلا محرم في غير الحج الواجب، وعدّ هذا من الكبائر، وذلك لمخالفته للنصوص الصريحة في النهي، والتي منها قول الرسول صلى الله عليه وسلم: "لا يحل لامرأة تؤمن بالله واليوم الآخر أن تسافر مسيرة يوم وليلة إلا ومعها ذو محرم"، وقوله صلى الله عليه وسلم: "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم".
أما القول الثاني: فقد ذهب بعض المالكية وبعض الشافعية إلى جواز سفر المرأة بلا محرم إذا أمنت على نفسها، وكان معها نساء ثقات، واستدلوا على ذلك: بأن العلة من اشتراط المحرم هو رعاية المرأة وصيانتها، وهي متحققة حال الأمن وتوافر الرفقة الموثوقة. ولكن هذا لا يخلو من مناقشة ومخالفة صريحة للنصوص، لأن هذه النظرة في التعامل مع نصوص الشرع تلغي هيبتها ومكانتها، وإن هذه العلة مستنبطة، وليست صريحة منصوصاً عليها. وأضاف المطيري: نعم إن هذا القول يلغي هيبة النصوص الشرعية ويعطلها، فلو جاز للمرأة أن تسافر دون محرم لجاز لها حج فرضها بغير محرم من باب أولى، ولكن كما ورد في الحديث إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر من كان غازياً معه، بأن يترك الغزو ويلحق بزوجته، فثبت بذلك أن وجود المحرم للمرأة من شروط الاستطاعة، وأن الحج الواجب يسقط مع العجز عنه، فيبقى القول بالمنع هو الأقرب للصواب.
وختم المطيري حديثه بقوله: وهذا هو قول كثير من أهل العلم المعاصرين، وهو فتوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء بالمملكة، وفتوى الشيخ عبدالعزيز بن باز والشيخ محمد بن عثيمين والشيخ صالح الفوزان والشيخ عبدالله الجبرين غفر الله للجميع، لذا فإن الأقرب والله أعلم المنع، ما لم تتوافر حاجة قوية ملحة، فإنه يجوز ولكن ليس على إطلاقه، بل لابد من توافر الاحتياطات الكافية التي تحفظ على المرأة نفسها، و"الضرورات تبيح المحظورات".