باتت كاميرا الجوال تمثل رعباً لمسؤولي الدوائر الحكومية؛ خوفاً من توثيق ردود أفعالهم أو كلماتهم الطائشة، والتي قد تؤدي بهم إلى مغبة الإقالة, خصوصاً إن لم يملك المسؤول صبراً لتحمل استفزازات بعض المراجعين، وجوالاتهم المسلطة على الألسنة. ومع التطور المذهل في وسائل الاتصال, ونجاح مقاطع الفيديو في الوصول إلى مختلف شرائح المجتمع من رأس الهرم وحتى المواطن البسيط العادي, أصبح كل مسؤول يضع يده على قلبه؛ خوفاً من رصد ردة فعل سيئة أو كلمة جارحة قد تودي به في غياهب الإقالة.
وتحول هذا السلاح الجديد الذي يستخدمه المواطن المغلوب على أمره إلى غول يهدد عروش المدراء ويجبرهم على مراجعة كلماتهم التي سينطقون بها أكثر من مرة خوفاً من زلة لسان أو حركة لا أخلاقية تجعلهم يركبون سفينة الإقالة المؤلمة.
ولعل ما حدث خلال الفترة القصيرة الماضية يؤكد حجم تأثير مقاطع الفيديو, ومن أشهر ما حدث تسببها في إقالة وزير الصحة الأسبق أحمد الخطيب عقب لقطة الفيديو الشهيرة في إحدى المدن الشمالية, وتلاها خلال فترة قصيرة إقالة رئيس المراسم الملكية محمد الطبيشي إثر صفعه لأحد المصورين, وليس انتهاء بتصوير مدير صحة نجران وهو يتلفظ على إحدى المراجعات ويطردها من مكتبه، والتي لم تكد تجف الأقلام من رصد ردود الفعل حولها حتى خرج أحد المواطنين بمقطع مأساوي يصور مريضاً في مستشفى الملك فهد بجدة وقد تسابقت الحشرات الزاحفة على مشاركته في سريره القديم، وهو ما تسبب في إقالة مدير المستشفى ومدير التمريض وعدد من موظفي الصيانة ظهر اليوم.
أحد مسؤولي الدوائر الحكومية أسر ل"سبق" بأنه وزملاؤه باتوا يحسبون ألف حساب لمقابلة الجمهور؛ خوفاً من خطأ يرتكب أو كلمة طائشة. وقال المسؤول الذي رفض الكشف عن اسمه: "نتعرض لاستفزازات أحياناً لا يمكن تحملها، في ظل ضغوطات العمل الهائلة، ومع هذا التطور التقني الهائل، فلا مكان لمن لا يحمل في داخله صبراً أيوبياً لتحمل الاستفزازات".
ويدور الكثير من الحديث حول نظامية تصوير المسؤولين دون إذنهم من عدمها، حيث رأى بعض القانونيين أنه لا يوجد هناك ما يمنع ذلك، فيما قال آخر: "لا يجوز ذلك، ومن يقوم بذلك يقع تحت طائلة المساءلة".
المستشار القانوني الدكتور إبراهيم زمزمي قال ل"سبق": "لا توجد عقوبة صريحة للتصوير في نظام الجرائم المعلوماتية إلا في الفقرة الرابعة من المادة الثالثة، وهذه تتعلق صراحة بشأن المساس بالحياة الخاصة للإنسان، أما النشر لما هو مصور فينظر فيه حسب محتوى النشر: هل هو بمفهوم الإساءة أم أنه يرمي إلى هدف اجتماعي وقائي؟ وهل النشر تشهيراً به للتحقير والنيل منه أم أنه مما جرى به العرف في حال العمل المنتقد المنشور للعامة باستمرار عبر الإعلام؟ وتقدير ذلك لجهة التحقيق ابتداءً والقاضي بشكل نهائي، مع تحفظنا بأن التصوير يقدم لجهة الاختصاص وفق محضر كضمانة لصاحبه ومسؤولية الجهة".
وأضاف: "أرى أنه في بعض الحالات لا عقوبة على التصوير طالما يكشف حقائق تمس المجتمع للارتقاء بشرط ألا يمس الحياة الخاصة للإنسان. والنشر البناء بما لا يمس الحياة الخاصة أو الإساءة، لا أرى بأساً فيه طالما لا يمس وحدة المجتمع والأمن ويرتقي بالمجتمع والوطن، ويؤدي إلى تماسك نسيجه الاجتماعي، وما عدا ذلك فهو موجب للعقوبة وفق المادة الثالثة بالسجن سنة، وبغرامة لا تزيد على 500 ألف ريال أو بإحدى هاتين العقوبتين".