أجمع متابعون للشأن المحلي أن الغلو والتطرف بدآ في الانتشار في المجتمع السعودي، الأمر الذي أفرز نمو هاتين الظاهرتين خللاً في النسيج الاجتماعي، وتفشي مرض فكري لا يرجى برؤه إلا بمواجهتهما وقطع دابر التمدد. ويرون أن من أسباب ظهور التطرف في مجتمعنا: الأسرة؛ من حيث إهمالها لأولادها أو تعاملها بحدة معهم، والمنهج الخفي المتمثل بالتوجيه والإيحاء والذي لا ينحصر في التعليم؛ إذ هو موجود في بعض المؤسسات وقصر الجهود في استيعاب الطاقات الشبابية في قنوات نافعة والهوى في التعامل مع الدين وتأويل النصوص والتطرف المقابل كالإلحاد، والاستهزاء بالدين والفجوة بين علماء الشريعة، والشباب والمخططات الخارجية لتفكيك لحمة الوطن عبر استغلال الجانب الديني لدى شباب الوطن وتجاوز فتاوى كبار علماء المملكة، وتلقف فكر دعاة التطرف.
ومن بين الجهات المعنية بمحاربة الظواهر السلبية التي تنشأ في المجتمع مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني الذي أثمرت جهوده في الوصول إلى أسباب ومسببات هذا الفكر، وخلال أشهر قليلة نجح في جمع العلماء والمثقفين ورموز المجتمع، وكذلك الإعلاميين على طاولة النقاش، واستطاع استكمال نحو 70 % من خطته التي وضعها نهاية العام الهجري الماضي 1435ه، لتنظيم لقاءات الحوار الوطني العاشر، تحت عنوان "التطرف وآثاره على الوحدة الوطنية"، في 13 منطقة من مناطق المملكة.
كما يتأهب المركز للمرحلة الثالثة من لقاءاته بعد أن أنهى المرحلة الأولى والثانية من جولاته الحوارية في عددٍ من المناطق في المملكة، للبدء في جولات جديدة من اللقاءات الوطنية يشارك فيها عددٌ من العلماء والمثقفين والمثقفات والمهتمين بقضايا الشأن العام، وذلك في إطار جهوده المبذولة لمواجهة التطرف.
وميدانيًا فقد نظم المركز خلال تلك الجولات التي طافت أرجاء الوطن تسعة لقاءات وطنية، وتسع ندوات ولقاءات حوارية في النوادي الأدبية والجامعات حول التطرف وآثاره على الوحدة الوطنية، والتي شارك فيها أكثر من 1200 مشارك ومشاركة من العلماء والدعاة والمثقفين وأساتذة الجامعات والإعلاميين والمختصين والمهتمين بالشأن العام والشباب، يمثلون مختلف الأطياف الفكرية في المجتمع.
وشملت اللقاءات التي نظمت في كل من مناطق: الحدود الشمالية، الجوف، تبوك، المدينةالمنورة، نجران، عسير، جازان، الباحة، ومكة المكرمة، مناقشة أربعة محاور وهي التطرف والتشدد: واقعه ومظاهره، العوامل والأسباب المؤدية إلى التطرف والتشدد، المخاطر الدينية والاجتماعية والوطنية للتطرف، سبل حماية المجتمع من مخاطر التطرف والتشدد.
وأوضح نائب رئيس مجلس الأمناء، والأمين العام لمركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني، فيصل بن عبد الرحمن معمر، أن تلك اللقاءات تأتي في إطار توجه المركز الذي أقره منذ نهاية العام الماضي في تخصيص أعماله وبرامجه وفعالياته للعام الهجري 1436ه، نحو مواجهة مشكلة التطرف.
وأكد أن هذا الإنجاز الذي حققه المركز خلال الأشهر القليلة الماضية، والذي يضاف إلى ما حققه المركز طيلة مسيرته ولجهوده المستمرة في تعزيز اللحمة الوطنية بين جميع أطياف المجتمع من خلال نشر ثقافة الحوار والوسطية والاعتدال، يأتي بفضل تكامل الجهود بين المركز ومؤسسات المجتمع، والخبرات التي اكتسبها المركز خلال الأعوام الماضية في تنظيم وإدارة الحوارات الوطنية، والتخطيط الجيد لمواعيد وأماكن اللقاءات.
وقال إن اللجان التي شكلها المركز خلال اللقاءات رصدت المئات من الآراء والمداخلات والتوصيات من كل المشاركين والمشاركات، إضافةً إلى النتائج الرئيسة لكل لقاء والتي يقوم خبراء المركز ومستشاروه بدراستها وتحويلها إلى برامج عمل تطبيقية تقدم إلى قطاعات الدولة المختلفة.
وبيّن "ابن معمر"، أن المركز يعكف حاليًا على الانتهاء من صياغة مشروع الاستراتيجية الوطنية الموحدة لمواجهة الغلو والتطرف، والتي بنيت على ما تم التوصل إليه في اللقاءات الوطنية من نتائج وما يتوصل إليه المركز من دراسات حول قضية التطرف، والتي ستُسهم إن شاء الله في التصدي لهذه المشكلة ووقاية المجتمع منها.
وأشار إلى أن تلك اللقاءات التي طافت أغلب ربوع الوطن أوجدت حراكًا ثقافيًا وفكريًا لدى جميع التيارات الفكرية بمختلف أطيافها للتفاعل مع هذا الموضوع المهم والخطير في الوقت نفسه، وكذلك تحفيز كتاب الرأي ووسائل الإعلام لتناول موضوعات التطرف وخطورتها على المجتمع، طيلة فترة انعقاد تلك اللقاءات.