تتزايد المطالبة بضروروة إنشاء صندوق سيادي، يهدف إلى أن تجد الأجيال القادمة مالا تستثمره للأجيال التي ستأتي بعدها، أو أن تجد مالا يقيها العوز والفقر في حال نضوب النفط. فإذا كان هذا الهدف النهائي لمثل هذا الصندوق، فإنه يمكن الرد عليه بالقول إن كل ما تقوم به الحكومة الآن من استثمار في البنية التحتية والتعليم والصحة وإنشاء شركات ضخمة وعديدة في معظم القطاعات التي يحتاجها الاقتصاد المحلي وبدعم مباشر من الدولة هي جميعها تستهدف نماء واستمرار الخير والتنمية للأجيال القادمة. وهناك من يرى أن ذلك ليس الهدف، بل الهدف هو لتعظيم العوائد حيث إن احتياطيات المملكة الحالية لا تحقق العوائد المفترض أن تحققها، ويعتقدون أن الصندوق السيادي سيحقق العوائد التي تبرر وجوده، ووجود استثمارات خارجية. وفي حقيقة الأمر إن اثبات مثل ذلك يبدو صعباً للغاية. فعوائد الاستثمار مرتبطة بالمخاطرة ومدة الاستثمار ونوع وطبيعة الأصول المستثمر فيها، وأن الهدف النهائي للصندوق هو من يحدد طبيعة تلك الاستمثارات والعوائد المتوقعة منها. لذا فإن مسألة تحقيق عوائد أفضل لا تبرر وجود صندوق ما بقدر ماهية المخاطر والاهداف والمدد الاستثمارية التي يرغبها المستثمر. لذا فإن التركيز على موضوع العوائد للاقناع هي ورقة ضعيفة لتبرير وجود صندوق سيادي، وليس من الحكمة التحدث عن عوائد في حال لم يخدم الصندوق او الاستثمار أهدافه النهائية. وقد يقول القارئ أين المشكلة إذاً؟ والمشكلة كما أراها تكمن في غياب استراتيجية أو وثيقة واضحة و(معلنة) لإدارة الاستثمارات الحكومية. فقد يكون هناك استراتيجية أو وثيقة لم نطلع عليها، الا أن المتتبع للاستثمارات الحكومية يجدها ممثلة في التالي: صندوق الاستثمارات العامة ويملك استثمارات ضخمة في شركات محلية مثل سابك والاتصالات والكهرباء وبعض شركات الاسمنت، والتأمين، والبنوك، وغيرها من الشركات. شركة سنابل، وكان من المفترض أن تستثمر خارجيا، الا أن توجهها الحالي يبدو منافساً أو مكملاً لصندوق الاستثمارات العامة في الاستثمار في الشركات المحلية. ولا ندري إذا قامت سنابل بأية استثمارات خارجية أم لا. الاحتياطيات الرسمية للحكومة ولصناديق المعاشات والتقاعد، وهي تلك التي تستثمر في أصول خارجية من سندات وذهب وأوراق مالية أخرى. ومجمل هذه الاستثمارات قد يتجاوز 3.5 ترليونات ريال وهي استثمارات تتجاوز اجمالي الناتج المحلي بنسبة 25%، مايجعلها مصدر أمان واطمئنان الى حد بعيد. ومع ذلك نحن نحتاج الى وضوح أكثر في استراتيجة وأهداف ادارة هذه الاستثمارات حتى نطمئن بأنها قادرة على خدمة الأجيال القادمة والتي يستهدفها الصندوق السيادي بالأساس، وبالتالي يزول اللبس ويزول تبرير مسألة المطالبة بالصندوق السيادي. ففي غياب استراتيجية واضحة سيظل الجدل قائما في المطالبة بالصندوق السيادي لعدة اعتبارات، فالاعتبار الأول أن الصندوق السيادي سيكون بمعزل عن ادارة السياسة المالية والتقدية للبلاد، وبالتالي فهو لا يخضع لتقلبات العجز والفائض في موازنة الحكومة، ولا الى حماية الريال السعودي في حال تقلب أسعار العملات، وسيركز فقط على الاستثمار الخارجي في اصول حقيقية مثل العقار والاستثمار المباشر في شركات التقنية والأدوية والطبية والشركات الزراعية والسيارات والمعدات والطائرات وغيرها من الشركات التي تحتاج المملكة لها ولخبراتها وتقنياتها، وبالتالي هو صندوق آخر مكمل ورافد وليس منافساً للاستثمارات الحكومية التي تطرقنا لها هنا. ويأتي في نفس الوقت للتنويع الاستثماري الذي تحتاجه المملكة جغرافياً وقطاعياً. وقد يرى البعض أن هناك محاذير سيادية قد يواجهه الصندوق عند الاستثمار خارجياً. فقد ترى بعض الدول أن هذا استمثار حكومي سعودي فتعمل على اعاقته بناء على مواقف سياسية وليس استثمارية. وقد حدث هذا عندما رغبت موانئ دبي في الاستثمار في الموانئ الأمريكية فمنعت بحجة اختراق الموانئ الأمريكية خصوصا بعد أحداث 11 سبتمبر. والبديل كما يعتقد البعض هو تشجيع الشركات الحكومية مثل سابك والاتصالات والكهرباء في الاستثمار خارجياً والتنويع الجغرافي. لكن هذه الشركات تظل محدودة، وفي قطاعات قد لا نحتاج لأية تقنيات فيها. وفي نفس الوقت لم تنجح تلك الشركات ومنها أرامكو في تبني سياسات استثمارية خارجية ذات مردود مالي أو تقني حتى الآن. إن من المنطق في نهاية المطاف وجود صندوق، ويمكن تسميته سيادياً أو ما شئنا من الأسماء في التركيز على الاستثمار خارجيا وبمعزل عن تقلبات السياسات المالية والنقدية وبأهداف ومخاطر وإدارة تختلف عن الصناديق الحكومية الحالية. وهذا مبرر كاف لإنشاء هذا الصندوق، بل ومزيد من الصناديق الحكومية الأخرى لأهداف مختلفة ومتنوعة كما هو الحال في انشاء صندوق للاستثمار الزراعي مؤخراً كذراع استثماري لوزارة الزراعة.