أدان واستنكر أمام وخطيب الجامع الكبير في خميس مشيط، الشيخ أحمد بن محمد الحواشي، الجريمة الإرهابية التي وقعت في قرية الدالوه بمحافظة الأحساء الاثنين الماضي، واصفاً إياها بإرهاب الآمنين وقتل الأبرياء، وقال: "هذا عمل إجرامي، ترفضه كل الديانات السماوية، والقيم الأخلاقية والإنسانية، وهو عمل مرفوض كائناً من كان وراءه. هذا العمل ديننا براء منه، ومن قام به (خوارج)، استحلوا الدماء، والإفساد في الأرض والفساد في الأرض جرم عظيم، فالله تعالى قال: {ولا تعثوا في الأرض مفسدين}. فعند النظر والتأمل في كتاب الله نجد التحذير من أنواع الفساد، التي من أهمها الكفر والصد عن سبيل الله، وإضلال الناس، والتشكيك في دينهم، والسخرية بالمؤمنين، وإلحاق التهم بهم، وسرقة الأموال الخاصة والعامة، وسفك دماء المسلمين بغير حق، وسفك دماء الآمنين وإخافتهم وترويعهم.. كل ذلك إفساد في الأرض". واستدرك: "ولكن يبقى قتل النفس التي حرم الله موبقة وجريمة نكراء، وثبت في الصحيحين عن أبي هريرة -رضي الله عنه- عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (اجتنبوا السبع الموبقات)، وعدَّ منها (قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق)، فمن قتل مسلماً متعمداً فإنه ينتظره من الوعيد ما ذكره الرب عز وجل في قوله {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَاباً عَظِيماً}".
وبيّن الحواشي أن الأحداث الإرهابية التي شهدتها هذه البلاد، ومنها ما حدث في شرق الرياض في العام 2003م، وغيرها من أنحاء وطننا الكبير، في شماله وجنوبه وشرقه وغربه، وآخرها ما حدث في بلدة الأحساء، هي أعمال تختلف في طرق تنفيذها، لكنها تمثل أعمالاً إرهابية، لا يقرها دين ولا مجتمع، هدفها زعزعة أمن وطننا وخلق الفتن ونقل الصراعات من هنا إلى هناك، إلا أنها فشلت وواجهت قوة في ترابط المجتمع وتلاحمه ووقوفه صفاً واحداً في وجه كل عابث بأمننا وبلادنا.
وقال الحواشي: "هؤلاء الخوارج قتلوا أرواحاً بريئة آمنة في الأحساء، بين أطفال ورجال وشيوخ، وقتلوا بعد ذلك عدداً من رجال الأمن؛ لأن الفكر الذي يحملونه والتوجه الذي ينتهجونه لا يفرق بين صغير وكبير، ولا ذكر ولا أنثى، ولا سني ولا شيعي، ولا شمالي ولا جنوبي، ولا شرقي ولا غربي. وهذه الأعمال ديننا براء منها، وبراء منهم. القتل والرعب وسفك الدماء ونشر الفوضى غايتهم. ولكن ما يثلج الصدر ويقر العين قوة التلاحم والتعاضد، ووجود خليط ومزيج بين شرائح المجتمع السعودي من الصعب تفكيكه أو التشكيك فيه. وهذا الخليط زاد من قوة الوحدة الوطنية".
ونبه الحواشي وحذر من أن تكون تلك فتنة أراد بها من افتعلها خلق النزاع الطائفي، معتبراً ذلك "عدواناً ظالماً غاشماً، لا خير فيه، وإن كان نجح في أماكن أخرى بعيدة عن وطننا فلن ينجح أبداً في بلادنا، في بلد تعايش فيه أبناؤه على مبدأ لا تفرقة، وعلى التعاون وروح الجسد الواحد".
وأكد الشيخ الحواشي أن هذه الأعمال تأتي من اليأس الذي يعيشه أعداء الدين وأعداء هذا الوطن بعد فشل مخططاتهم وتفجيراتهم، وبعد نجاح الأمن السعودي خلال السنوات الماضية في وأد الإرهاب في مهده؛ لذا سلكوا طرقاً أخرى لنشر الفتنة وتفريق الصفوف، فتفرقت بهم الطرق.
وقال إمام وخطيب الجامع الكبير في خميس مشيط إن ما حدث زاد من تماسك المجتمع السعودي بشرائحه كافة، وخلق نسيجاً مشتركاً من الحب والألفة، لن تشقه أي أفكار أو مخططات أو محاولات لبث الفرقة. فأهلنا وإخواننا في الأحساء ليسوا كغيرهم، بل يختلفون كثيراً عن غيرهم في أماكن أخرى؛ فقد شكلوا نسيجاً وتعايشاً قروناً طويلة، وظهر نجاح هذا التعايش الجميل في التفاعل الكبير والحزن العظيم الذي عم أرجاء الوطن لما حصل.
واعتبر الشيخ الحواشي أن "من يعلم أي معلومة تساعد رجال الأمن في القبض على هؤلاء المفسدين ثم يكتمها فهو خائن لدينه ووطنه، ومن يؤويهم أو يطعمهم أو يتعامل معهم فهو في الجريمة شريك، وخصمه رب العالمين".
وأوصى الشيخ الحواشي أبناء المجتمع السعودي بقوله: "وطننا مستهدف، وتذكرون هذه المقولة على لسان وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز - يرحمه الله - الذي كان يعلم أموراً لا يعلمها الكثير عندما قال (وطننا مستهدف). وأوصيكم اليوم وغداً في دينكم ووطنكم الذي أصبح هدفاً لأعدائه، فالسعودية أعزها الله بنعمة الإسلام، وشرفها بالبيتين (مكة والمدينة)، وأتى الملك فيها برجال لا تأخذهم في الحق لومة لائم، وجعلوا خدمة الدين سنام غاياتهم، وخدمة الشعب أول اهتماماتهم. وطننا يعيش في نعيم لم يعشه أحد من قبلنا، في الزمن البعيد والقريب، ونحن مسؤولون أمام الله عن كل ذلك. يجب أن نعيش الواقع، ونشكر النعم، فمن أفدح الأخطاء التي يرتكبها الإنسان في حق نفسه أن يجعل حاضره ينوء بأعباء المستقبل. ينبغي أن ننظر إلى ما بين أيدينا، لا إلى ما ينقصنا. ينبغي أن نشكر النعم التي نحن فيها الآن. ينبغي أن ندرك عظيم نعم الله علينا عملاً بقول النبي عليه الصلاة والسلام (من أصبح آمناً في سربه، معافى في بدنه، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها)".