أكد مسؤول رفيع في الغرفة التجارية الصناعية في مكةالمكرمة، أن المنافسة القوية التي يقودها القطاع العام ضد القطاع الخاص في مجال التطوير العقاري في المملكة بشكل عام، وفي مكةالمكرمة على وجه الخصوص، تعد مخالفة صريحة وواضحة لتوجهات الدولة وللخطط الخمسية التنموية بشكل عام. وقال ماهر بن صالح جمال رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية في مكةالمكرمة: "جميع خطط التنمية الخمسية التي تعتمدها حكومة خادم الحرمين الشريفين والدولة، تشير بوضوح إلى أهمية دعم القطاع الخاص، والتأكيد على دوره في التنمية، ذلك لأن معدلات الأداء والإنتاجية بالقطاع الخاص أعلى منه بالقطاعات العامة".
وأبان جمال خلال اللقاء الذي عقدته الغرفة أخيراً مع مجموعة من المستثمرين في مجال التطوير والاستثمار العقاري، لمناقشة المخاوف التي بدأت تظهر على السطح وتهدد بهجرة الرساميل العقارية من مكة، أن معظم التوجيهات تدعي إلى التخصيص (الخصخصة)، وليس العكس.
واستشهد جمال في ما يتعلق بموضوع الخصخصة، بقوله: "هذا ما يبدو واضحاً لنا وما نشاهده من حيث خصخصة شركة الاتصالات السعودية ودخول مقدمي خدمات آخرين، مما أدى في آخر المطاف إلى تطوير الخدمات عبر منافسة الشركات لتقديم الأفضل، وهنا نحن نطرح مثالاً فقط، ولا نقصد عدم وجود جهات أخرى اتجهت لخصخصة مرافقها".
ويرى رئيس غرفة مكة، أن ما تقوم به بعض الجهات من القطاع العام، من خلال دخولها للسوق العقاري كمنافس مباشر للقطاع الخاص والأهالي، يسبب إضراراً بالمواطنين الذين استثمروا في القطاع، ولا يتفق مع ما ظل يدعو إليه سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز من الحرص على خدمة المواطن، وتقديم الخدمات له، والمحافظة على مدخراته.
من جهته قال نائب رئيس مجلس إدارة الغرفة إيهاب بن عبدالله مشاط: "دور الغرفة الفاعل في مثل هذه اللقاءات سيتم العمل به خلال الفترة المقبلة، كما أننا سنستمر في تقديم كل ما من شأنه أن يخدم بيت التجار المكي"، مؤكداً أن الغرفة التجارية هي مظلة ومنتدى لقاء التجار.
وأضاف مشاط: "بيت التجار غرفة مكة تسعد لمناقشة ومعالجة كل ما يعيق التجار، أو يثير مخاوف استثمارية لديهم"، مؤكداً في هذا الصدد أن "الغرفة ومجلس الإدارة يتبنى كل ما فيه الصالح لخدمة العاصمة المقدسة المحببة لنا جميعا".
مشاط الذي اتفق مع كثير من الطروحات فيما يخص مخاطر دخول القطاع العام لمنافسة القطاع الخاص، قال: "القطاع العام لا يزال ينتظره الكثير من الأدوار بالبنى التحتية كمشاريع الطرق والقطارات والمطارات والموانئ وإسكان ذوي الدخل المحدود من المواطنين".
ومن جانبه أكد عضو مجلس الإدارة المهندس أحمد بن عبدالعزيز سندي اهتمام حكومة سيدي خادم الحرمين بكل ما يحسن من الحالة المعيشية للمواطن، وكذلك بكل ما يخدم الحاج والمعتمر، وقال: "أرى أن دخول القطاع العام منافسا للقطاع الخاص أمر لا يتمشى مع الخطط الطموحة لحكومة المملكة التي تدفع بكل قواها لتنمية الوطن بحيث يقوم القطاع العام بدوره كمحفز لا منافس، ويقوم القطاع الخاص بالتحرك لبناء مشاريع إنتاجية وخدمية".
من جهته لفت رئيس اللجنة العقارية في الغرفة التجارية الصناعية في مكةالمكرمة، الشريف منصور أبو رياش، إلى أن هناك مجموعة من المشروعات العقارية المطروحة من قبل القطاع العام ممثلة في وزارة المالية وبعض الشركات المختلطة شبه الحكومية، تقوم بعمليات منافسة للقطاع الخاص، واصفا ذلك النوع من المشروعات بالضار للاستثمار في السوق، مبينا أن "من شأنه أن يتسبب في إحداث عمليات إغراق بالوحدات العقارية، فتختل معادلة العرض والطلب نظراً للخروج عن دائرة محددات للطلب".
وتساءل أبو رياش: "إذا كان القطاع يعاني لعامين من فائض كبير بالعرض، فما بالنا بإضافة عدد من الوحدات السكنية الجديدة"، مردفاً: "هذه المشاريع تتسع لتغطي مساحات كبيرة أو تمنح مميزات غير عادلة مع باقي المنافسين بمنحها لتعدد أدوار ومعاملات بناء أكبر من المشاريع الخاصة بالأهالي والقطاع الخاص".
وتابع رئيس اللجنة العقارية في غرفة مكة: "من الأهمية بمكان أن تتوقف هذه المشاريع عن منافسة القطاع الخاص، لا سيما وأن هذا القطاع يمثل مصدر رزق ودخل الأهالي والمستثمرين بمكةالمكرمة، ومن الأولى دعم القطاع الخاص للمساهمة في التنمية لا منافسته".
على ذات الصعيد شدد المهندس محمد برهان سيف الدين، على أهمية أن تكون هناك خطة إستراتيجية لإسكان الحجاج، بحيث ترصد كافة المتغيرات وتضع رؤيا مستقبلية لتحقيق التنمية وتقديم خدمات راقية لضيوف بيت الله الحرام والمعتمرين.
ويرى سيف الدين أنه لا بد من توفر المعلومات بشكل واضح وصريح، وذلك من أجل التدقيق فيها لرسم خطط مستقبلية تستند على قاعدة راسخة من المعلومات وتحليل معطياتها بالتركيز على أعداد الحجاج والأعداد المستهدفة خلال ثلاث ثم خمس ثم سبع ثم 10 سنوات، وذلك حتى تتوافق معها كل خطط تنمية الإسكان والخدمات، ولا يتسبب أحد القطاعات في تعثر نمو الخطة العامة.
وطالب سيف الدين بأهمية التكامل في المعلومات حول المتاح من الغرف والأسرة لإسكان الحجاج، وما يستجد منها، وما يزال منها، مردفاً: "كل هذه المعلومات تعطي صورة أوضح للتخطيط وتطوير الخدمات، وأدعو كذلك للاهتمام بتحديد المساحات والسعة الاستيعابية لكل مشروع جديد حتى لا يتعرض السوق لموجات إغراق لها آثار سلبية".
وأما عضو اللجنة العقارية واللجنة الهندسية في الغرفة التجارية الصناعية في مكةالمكرمة، الدكتور حامد الهرساني، فقال: "الأوقاف أيضا يجب ان تدرس الحاجة لها، فاذا كان هنالك وقف مخصص للإنفاق على مرفق معين، فليس مناسبا أن يوقف له استثمار يدر عشرات أضعاف حاجته وبشكل مبالغ فيه، لا سيما إن تمت المبالغة في منحه امتيازات عن المحيط والتي تضر بمصالح الآخرين".
ولفت هرساني إلى أهمية أن تكون جميع المشاريع ذات بعد تنموي، من خلال خلق فرص تجارية لأبناء الوطن، بحيث تكون المشاريع مولدة لفرص تجارية، إضافة إلى الفرص الوظيفية والخدمية، مما يساعد في خفض معدلات البطالة، أو ينهيها بشكل جذري خاصة في حال وجد التنظيم المناسب.
وعلى الصعيد ذاته، رجع الدكتور فائز صالح جمال بالذاكرة إلى مؤتمر لرجال الاعمال عقد قبل نحو 30 عاما بمدينة أبها، نوقشت فيه أهمية عدم دخول القطاع الحكومي لمنافسة القطاع الخاص، وذلك بعد أن أثبتت التجربة خطورة هذا الاتجاه وكيف أن دخول القطاع الحكومي لمنافسة القطاع الخاص تعد منافسة غير عادلة، ولكن للأسف تحذيراتنا ذهبت دون جدوى.
وتابع جمال: "محددات القطاع الخاص تختلف كليا عن القطاع العام، وكذلك أثبتت التجربة أن القطاع الخاص يقدم الخدمات والسلع بشكل أفضل وبتكلفة أقل، ولذا فإن حكومة خادم الحرمين الملك عبد الله تؤكد على أهمية دعم القطاع الخاص ودعم مشروعات الخصخصة بهدف تقديم خدمات أفضل".
وشدد جمال على ضرورة الوقوف أمام ما وصفه ب"الموجة"، بشكل جاد؛ لأن الاستمرار فيها من شأنه الإضرار بمصالح الأهالي والمواطنين وعموم المستثمرين، لافتا إلى أن خادم الحرمين الشريفين لا يرغب سوى بكل الخير لأبناء الوطن والمواطنين، ويؤكد باستمرار على أن جميع الدوائر وظيفتها خدمة المواطن وحماية دينه وعرضه وماله.
وأكد جمال أن ركيزة التنمية المستدامة التي تسعى لتحقيقها كل خطط الدولة واتخذته غرفة مكة شعاراً لها هم السكان المحليين، وبالتالي على الجهات الحكومية التوافق مع هذه الرؤية وعدم التأثير عليهم سلباً أو الإضرار بهم أو تضييق فرص مكسبهم ومعيشتهم، والعمل على تمكينهم ودعم موقفهم التنافسي أمام آفة التستر وتعقيدات سوق العمل والمنافسات الأخرى التي تلحق بهم الخسائر والتي قد تخرجهم من السوق والمنافسة بشكل كلي.
وأما عضو اللجنة العقارية في غرفة مكة، المهندس رضا كردي، فحذر من انحراف كثير من المشاريع عن تطبيق المخطط الشامل الذي ظل يدرس لفترات طويلة وبعدما أقر إما أنه لم ينفذ أو أن الكثير من التجاوزات تتعارض مع هذا المخطط، والتي يمكن أن تعالج كثير من تجاوزات مشاريع القطاع العام، إذ لا تلتزم بمعايير المخطط الشامل ولا معايير أمانة العاصمة التي لم توضع إلا بعد دراسات وجهد، هذا من جانب، ومن جانب آخر لا يصح أن تطبق هذه المعايير على القطاع الخاص، ولا يلتزم بها القطاع العام، وهو الأولى بتطبيق اللوائح.
وعلى صعيد متصل قال المستثمر في القطاع العقاري خالد سيف الدين: "خفض أعداد الحجاج للعامين الماضيين كان له آثار سلبية كبيرة جداً على القطاع العقاري، وهناك انخفاضات كبرى للقيم الإيجارية نتيجة خفض الطلب بنسبة 20 في المائة في فترة ما زالت مشاريع عقارية ضخمة تدخل إلى سوق العرض".
ودعا سيف الدين إلى "ضرورة وقف دخول القطاع العام للمنافسة للقطاع الخاص، إذ إن للقطاع الخاص فائضاً بالعرض، فما بالنا بإضافة مشاريع كبرى بطاقات استيعابية كبيرة".
وأما الدكتور موفق أمين جاد وجاد أمين جاد من مجموعة الجاد الاستثمارية، فيريا أن تأثر عائدات المستثمرين بشكل كبير للعامين الماضيين نتيجة تخفيض عدد الحجاج، بل وأدخلت الكثير من المستثمرين في دوامات الديون.
ووصفا القرار بأنه مفاجأة، "في حين أن هذا النوع من العقود يكون لمدة 3-5 سنوات، وبالتالي كل من وقع عقود بالعام 1431 تأثر بقرار التخفيض، بل إن المحاكم استقبلت منذ العام الماضي الكثير من القضايا نتيجة قرار الخفض، فما بالنا ودخول مشاريع للقطاع العام لا تتعامل بلغة الأرقام والجدوى والتكلفة وتعطى امتيازات أكبر من القطاع الخاص".
وأوضحا أنه بكل تأكيد ستكون هذه الاستثمارات ضارة بالقطاع الخاص وطاردة للاستثمار في هذا المجال، وبالتالي سنشهد تراجعا في مستوى الخدمات، وهو ما يخالف توجهات حكومة سيدي خادم الحرمين الشريفين من تطوير لخدمات قطاعات الحجاج والمعتمرين.