نيكولاس بلانشو, الشهير ب عبدالله نيكولاس في أوساط مسلمي سويسرا, عمره لم يتجاوز ال 30 ربيعاً, وعلى الرغم من ذلك نجح في تشكيل مجلس إسلامي للشورى يضم آلاف المسلمين من الجنسية السويسرية والجنسيات الأخرى, ليمثل لهم مظلة تقيهم من حر الممارسات العنصرية, ولهيب التهم التي تُرمى عليهم دون أدلة دامغة منذ هجوم 11 سبتمبر الشهير وحتى هذه اللحظة. الوحش المرعب نيكولاس الذي بات وحشاً مرعباً لأعداء الإسلام في سويسرا, منحه الله موهبة بلاغية وقدرات هائلة لمقارعة الحجة بالحجة, وإسكات الأصوات المعادية, وحارب بضراوة ضد قرار منع النقاب, والذي قد تتخذ الحكومة السويسرية قرارها الابتدائي حوله خلال الشهر الجاري. هذا الشاب السويسري فارع الطول دخل الإسلام قبل نحو 10 سنوات عندما طلب منه دعاة فرنسيون الترجمة ل 30 طالباً ألمانياً بحكم تمكنه من اللغتين وبدلاً من تأثر زملائه الطلاب, وقعت الموعظة بأعظم الأثر على قلب المترجم الشاب الذي كان أساساً قريباً من الإسلام ولم يخرجه الوعاظ الفرنسيون من جماعة التبليغ إلا بعد أن نطق الشهادتين وسط تكبيرات متواصلة ووجوه متهللة مستبشرة.
الضرب المبرح ولد عبدالله نيكولاس عام 1983م في مدينة بيل بيرن السويسرية من أب أصوله فرنسية وأم ألمانية مما منحه ميزة تعلم اللغتين, حيث كان الأب مسيحياً ثم تحول للديانة البوذية في حين لم تكن والدته المسيحية تهتم بالكنسية كثيراً بل إنها تركتها نهائياً مع مضي الأعوام وكانت أقرب لليبرالية.
بعدما بلغ نيكولاس سن الثالثة عشرة حدث تغير مهم في حياته بعد أن انتقل لمدرسة جديدة وفقد رفقته التي كانت بجواره من أصدقاء الطفولة, كان حينها يزعج من حوله بحركته الدائبة ومشاغباته المتنوعة مما جعله عرضة للضرب المبرح من بعض الصبية مستغلين وحدته وعدم وجود رفاق قدماء له، مما اضطره إلى البحث عن فريق قوي يحميه وهذا ما تحقق له بعد عام ونصف العام من المضايقات المستمرة.
يقول عبدالله: تعرفت على شبان من مدرسة أخرى وكنا نفتعل المشاكل لأتفه الأسباب مما جعلني مهاب الجانب في المدرسة, ولكنني لم أطق البقاء معهم وشعرت بأنني أرتكب خطأً شنيعاً وبدأت في الابتعاد عنهم قدر الإمكان, وتحولت لقراءة الكتب البوذية ثم الهندوسية, ثم كدت أن انخرط مع حركات تنصيرية كانت تجذب الشباب آنذاك من خلال الدعوة لديانتهم بالترفيه ولكن عقلي لم يستوعب تبجيلهم لنبي الله عيسى عليه السلام, فمنذ صغري كنت أكره عبادة البشر مهما علا شأنهم.
وسط هذا التردد والضبابية التي عاشها, كان الشاب السويسري يناقش كل من يلتقيه من زملاء وأصدقاء عن الديانات والآلهة حتى التقى يوماً من الأيام شباناً من ألبانيا يعرفهم جيداً وتناقشوا حول القضية ذاتها, وبعد أن تعرف قليلاً على الإسلام أسر له صديقه بأن فكره يقترب كثيراً من الفكر الإسلامي الذي يرفض عبادة أي كائن باستثناء رب السموات والأرض ومن فيهما, وطلب منه أن يقرأ عن الإسلام, فهرول الشاب لوالده وطلب منه أن يقتني كتباً إسلامية, ولم يتردد الأب وجاء له بالقرآن الكريم مترجماً معتقداً أن ابنه يريد الاطلاع من أجل التثقف فقط خصوصاً أن السويسريين شديدو الاعتزاز بثقافاتهم ودياناتهم ومن الصعب التخلي عن معتقداتهم بسهولة.
كلمات الواعظ الفرنسي تأثر نيكولاس كثيراً بقراءة القرآن الكريم, وكانت الصدمة الأولى عندما قرأ بأن الله قد أرسل لكل أمة رسولاً, وبينما هو يقترب شيئاً فشيئاً من الإسلام جاء لمدرسته وفد من جماعة التبليغ الفرنسية ودعوا 30 شاباً للمسجد وأرادوا أن يقنعوهم بالإسلام, وتصادف حينها وجود ذلك الألباني الذي أقنعه بقراءة شيءٍ عن الدين, وعندما رآه طلب حضوره لترجمة الموعظة من الفرنسية إلى الألمانية وكانت النقطة الفاصلة في حياة الشاب.
يصف نيكولاس تلك اللحظات: كانت لحظات لا توصف, تدفقت خلالها كلمات الواعظ الفرنسي لداخل قلبي بشكلٍ عجيب, واستمر لساعة ونصف الساعة معتقداً إسلامي, وبعد نهاية اللقاء غادروا وبقيت وحيداً وحين علم بحيرتي تحدث معي لدقائق فقط ونطقت الشهادتين دون تردد.
خرجت من المسجد – يستطرد- كالطير المحلق في السماء, كنت أشعر بفرح غامر ودخلت منزلي وأعلنت إسلامي بشكل مباشر لوالدتي والتي أُصيبت بصدمة لم تفق منها لفترة من الزمن, ثم عادت لمحاولة تضييق الخناق عليّ باتهامي بالجنون, ومحاولة إيهامي بقلة جمالي بعد إطلاق لحيتي ولكن ذلك لم يزعزع من ثقتي شيئاً لأنني شعرت بالراحة القلبية التي لم أجدها طوال حياتي.
الجار التركي عام كامل منذ أن نطق الشهادتين, كان خلالها يسعى نيكولاس لتعلم شعائر الإسلام بين بعض أصدقائه المسلمين دون جدوى, حتى لجأ لجار تركي كان يعلمه اللغتين الفرنسية والألمانية وطلب منه رد الجميل بتعليمه الإسلام، فأهداه كتاباً قيماً كان مدخله لتعلم كل المناسك الإسلامية ومكث حينها قرابة ال 8 أشهر يصلي برفقة أولئك الأتراك.
تعرض الشاب السويسري لمضايقات عدة بعد إسلامه من فرقته الشابة التي كانت تحميه في المدرسة, حيث كانوا يترصدون له أمام منزله ويتهمون بالجبن, ويسخرون منه, وكانت صدمته كبيرة عندما اعتدى عليه بعض أعضائها المسلمين وهو ما لا يعرف له سبباً حتى الآن.
بعد الإسلام تحول نيكولاس لشاب آخر, وبعد أن كان يدرس هندسة الطباعة تركها وعاد للثانوية التي تركها سابقاً, وتمكن من نيل النجاح بترتيبه الأول على 400 طالب من أبناء دفعته, ثم اتجه لدراسة الإسلام في جامعة ساندينيس بباريس, ثم شد رحاله إلى اليمن حيث التحق بجامعتها العتيقة ونال شهادة الماجستير بعد رسالته عن المقارنة بين القانون الأوربي والشريعة الإسلامية.
لم يتوقف عبدالله نيكولاس عند هذا الحد بل عاد ليدرس البكالوريوس مرة أخرى في جامعة بيرن السويسرية في قسم القانون وأنهاها ثم تفرغ للعمل في خدمة مسلمي سويسرا.
الشاب السويسري الذي لم يتجاوز الثلاثين ربيعاً نجح عام 2008م في تشكيل مجلس إسلامي للشورى في سويسرا لخدمة المسلمين, حيث يضم أكثر من 3 آلاف عضو مسلم ويحرص على الدفاع عن حقوق المسلمين من خلال 17 مركزاً موزعاً في مختلف أنحاء سويسرا, وما زال المجلس يحظى بثقة المسلمين الذي يتزايد إقبالهم عليه بعد متابعة العديد من النجاحات المتحققة خلال السنوات الماضية.