رفع المشاركون في ندوة الحج الكبرى، في دورتها ال38 من رؤساءِ الجلساتِ والمحاضرينَ والضيوفِ، أسمى آياتِ الشكرِ والتقديرِ والعرفانِ إلى مقامِ خادمِ الحرمينِ الشريفينِ، الملكِ عبداللهِ بن عبدالعزيزِ وحكومته الرشيدة؛ على رعايتهم الكريمة لحجاج بيت الله الحرام، والمعتمرين وزوار مدينة رسوله الكريم، داعين الله أن يجزيهم عن ذلك خير الجزاء، وأن يديم لهم التوفيق والسداد لمواصلة المسيرة الإسلامية الحضارية الخيرة لهذه البلاد المباركة. وأشاد البيان الختامي الصادر عن ندوة الحج الكبرى، المنعقدة خلال الفترة 3-5 من شهر ذي الحجة الحالي، بمشاركة أكثر من 200 باحث وعالم وخبير ومفكر، من أصحاب الرأي والباحثين من كل أنحاء العالم الإسلامي، ومن الجاليات الإسلامية في مختلف بلاد العالم، الذين اجتهدوا من خلال أبحاثهم وأطروحاتهم في إثراء الجلسات العلمية للندوة.
وخرج "البيان" بجملة من النتائج والتوصيات منها: أن فقه الأولويات فقهٌ ثابتٌ ومتأصلٌ يرتبط ارتباطاً وثيقاً بفقه الموازنات، وبفقه المقاصد الشرعية، وأن الفهم الصحيح للشريعة يستلزم معرفة فقه الأولويات، وكيفية الموازنة والترجيح بين المصالح إذا تعارضت، أو المفاسد إذا اجتمعت، وهو ما طبقه السلف الصالح والأئمة المجتهدون، وكبار علماء الإسلام وفقهاؤه، بكل وعي وبصيرة في جميع أبواب الفقه الإسلامي.
وأكدت "الندوة" في هذا "البيان" على أن انضباط ميزان الأولويات في حياة المسلمين في ظروفنا الراهنة بات ضرورة شرعية، وحاجة حضارية؛ لإعادة الميزان في كل الجوانب المادية، والمعنوية، والفكرية، والاجتماعية؛ نظراً لاختلال الموازين الشرعية في حياة كثير من المسلمين اليوم بين ما يقدم من الأحكام وما يؤخر، وبين المهم منها والأهم، وبين الفاضل والمفضول، وبين الصالح والأصلح، وذلك تبعاً لقواعد جلب المصالح ودرء المفاسد، واتباعاً لمبدأ التيسير والتخفيف عن العباد، الذي أمرنا بأن نسلكه في جميع تصرفاتنا التعبدية.
وشددت "الندوة" على الحاجة إلى تأصيل مفهوم الأولويات، وبيان شروطه وضوابطه وأهميته في هذا العصر، الذي تكاثرت فيه الواجبات، وازدحمت فيه المسؤوليات؛ لنشر ثقافة فقه الأولويات بين المسلمين بعامة؛ لتكون عوناً لهم على أداء عباداتهم وطاعاتهم بوعي وبصيرة، وبأمانٍ واطمئنان.
ونوهت بأهمية مراعاة فقه الأولويات عند الاجتهاد في مسائل الحج، ولا سيما المعاصرة منها، مؤكدة على ضرورة أن يكون الاجتهاد فيها موافقاً لقواعد الفقه وضوابطه المرعية، ومحققاً للمقصود الشرعي من هذه الشعيرة العظيمة، وحماية لأحكام الشريعة من العبث، ومنعاً من اتخاذ فقه الأولويات ذريعة للمساس بجوهر الدين، وأركانه، وأحكامه القطعية الثابتة، والاعتماد على القواعد والضوابط العامة للشريعة، والضوابط الخاصة بتزاحم الأعمال، وضرورة التخفيف والتقليل من حج النافلة للإنسان نفسه، أو تطوعاً عن غيره حياً كان أو ميتاً؛ وذلك إيثاراً لإخوانه ومساعدةً للمسلمين المكلفين الآخرين على أداء حج الفريضة بيسر وكمال وأمان، مؤكدة على أن ترك التطوع بالحج أو تأخيره بنية التوسعة على هؤلاء الحجاج، وتخفيف الزحام عنهم هو بحد ذاته قربةٌ إلى الله تعالى.
وأوصت "الندوة" جميع المؤسسات الإعلامية، والأجهزة الأهلية، والحكومية المعنية بالحج، بأن تستثمر التقنيات الحديثة في إنتاج برامج توعوية شاملة للحجاج قبل قدومهم إلى الحج؛ لتعريفهم بالأولويات الشرعية المتعلقة بفريضة الحج، التي يجب على الحجاج معرفتها، واستيعابها، وتطبيقها حسب قدراتهم، وواقع حياتهم، ولتعزيز فقه الاستطاعة، وفقه الأولويات في الحج في نفوس الحجاج، وتحويله إلى واقع عملي في سلوكهم.
وأكدت أن على المؤسسات العلمية، والمراكز البحثية، والمجامع الفقهية، التنسيق والتعاون فيما بينها؛ للعناية بفقه الأولويات، وتطبيقاته المعاصرة لرفع الحرج عن المسلمين في كثير من الأحكام.
كما دعت "الندوة" المؤسسات التعليمية والتربوية، إلى إضافة مادة دراسية في المراحل المختلفة، ولا سيما في الدراسات العُليا، تُعْنى بفقه الأولويات؛ للمواءمة بين التنظير والتطبيق في جوانب حياة الناس المختلفة.